وأثنى عليه. ثم قال:((أما أبعد، فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله.
ــ
عن أبيه عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((خذيها واشترطيها)) زيادة تفرد بها، والتاركون لها كابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة والقاسم بن محمد عنها أكثر عدداً وأشد اعتباراً فلا يسمع؛ لأن السهو علي واحد أجوز منه علي جماعة. قال الشافعي رضي الله عنه: كيف يجوز في صفة الرسول ومكانه من الله أن ينكر علي الناس شرطا باطلا، ويأمر أهله بإجابتهم إلي الباطل، وهو علي أهله في الله أشد وأغلظ. أقول: وعلي هذا التقدير والاحتمال ينهدم ما ذكرنا من الاستدلال، ولا يكون فيه ما يدل علي جواز شرط العتق في العقد وصحته.
قوله:((ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟)) كذا في البخاري بلا فاء، قال المالكي:((أما)) حرف قائم مقام أداة الشرط والفعل الذي يليها؛ فلذلك يقدرها النحويون بمهما يكن من شيء، وحق المتصل بالمتصل بها أن تصحبه الفاء، نحو قوله تعالي:{فأما عاد فاستكبروا في الأرض} ولا تحذف هذه الفاء غالبا إلا في شعر أو مع قول أغنى عنه مقوله، نحو {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم} أي فيقال لهم: أكفرتم، وقوله صلى الله عليه وسلم:((أما موسى كإني أنظر إليه)) وقول عائشة رضي الله عنها: ((وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافاً واحداً)) وقد خولفت القاعدة في هذه الأحاديث، فعلم بالتحقيق عدم التضييق، وأن من خصه بالشعر أو بالصورة المعينة من النثر مقصر في فتواه وعاجز عن نصرة دعواه- انتهي كلامه. أراد صلى الله عليه وسلم بما قال أن هذه الشروط ليست في حكم الله، أو ليست علي مقتضى حكم كتاب الله، ولم يرد أنها منصوصة في كتاب الله؛ فإن كون الولاء للمعتق أيضا غير منصوص في القرآن، ولكن الكتاب أمر بطاعة الرسول واتباع حكمه، وهو قد حكم بأن الولاء لمن أعتق، وغلي هذا يكون قوله:((وإنما الولاء لمن أعتق)) حالا من قوله: ((يشترطون)) مقررة لجهة الإشكال كقوله تعالي: {ونحن نسبح بحمدك} حيث وقعت مقررة لإنكار ما سبق من قوله: {أتجعل فيها من يفسد فيها}.
((مح)): وفي هذا الشرط إشكال؛ لأنه يفسد البيع، وكيف وهو متضمن للخداع والتغرير؟ أم
كيف أذن لأهله ما لا يصح؟ ولهذا الإشكال أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته، وما في معناه
في الرواية الأخرى من قوله:((واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق)) وقال الجمهور: هذه
اللفظة صحيحة، واختلفوا في تأويلها، قيل ((لهم)) بمعنى ((عليهم)) كما قال تعالي: {ولهم
اللعنة} أي عليهم {وإن أسأتم فلها} أي فعليها وهو ضعيف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم