للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١١٥ - وعن ابن الديلمي، قال: أتيت أبي بن كعب، فقلت له: قد وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني لعل الله أن يذهبه من قلبي. فقال: لو أن الله عز وجل عذب أهل سماواته وأهل أرضه؛ عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك

ــ

شيء)) ولم يقل: ((في القدر)) ليفيد المبالغة في القلة، وفي النهي عنه، أي من تكلم بشيء يسير منه يسأل عنه يوم القيامة، فكيف بالكثير منه؟ فالسؤال للتهديد.

الحديث الثالث عن ابن الديلمي: قوله: ((في نفسي شيء)) أي حرارة واضطراب عظيم أريد منك الخلاص منه، فحدثني بحديث يزيل ذلك مني، قال: أولا ((في نفسي)) وثانياً ((في قلبي)) إشعاراً بأن ذلك تمكن منه، وأخذ بمجامعه من ذاته وقبله.

وقوله: ((أن يذهبه)) أدخل ((أن)) في خبر ((لعل)) تشبيهاً لها بعسى. وقوله: ((ولو أن الله عذب)) إرشاد عظيم وبيان شاف لإزالة ما طلب منه؛ لأنه هدم به قاعدة القول بالحسن والقبح عقلاً؛ لأنه مالك السموات والأرض وما فيهن، ويتصرف في ملكه كيف يشاء، ولا يتصور فيه الظلم؛ لأنه لا يتصرف في ملك غيره. ثم عطف عليه ((لو رحمهم)) إيذاناً بأن رحمته على الخلق ليست من إيجابهم عليه سبب أعمالهم، بل هو فضل ورحمة منه ولو شاء أن يصيب برحمته الأولين والآخرين، لا يخرج ذلك من حكمة وراء ما يحيط علمنا به.

- وقوله: ((ولو أنفقت)) تمثيل على سبيل الفرض، لا تحديد، إذ لو فرض الإنفاق ملء السموات والأرض كان كذلك. وقوله: ((تعلم أن ما أصابك)) شروع في التخصيص بعد التعميم، وقوله: ((لم يكن ليخطئك)) وضع موضع المحال، كأنه يقول: محال أن يخطئك، كقوله تعالى: {ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَلكُمْ عَلَى الغَيْبِ} أي لا ينبغي ولا يصح، ومحال أن يطلعكم عليه؛ لأن فيه ثلاث مبالغات، أحدها: دخول الله المؤكدة للنفي في الخبر، وثانيها: تسليط النفي على الكينونة، وثالثها: سرايته في الخبر. قال بعض المغاربة: فائدة دخول ((كان)) المبالغة في نفس الفعل الداخلة هي عليه؛ لتعديد جهته، لنفيه عموماً باعتبار الكون، وخصوصاً باعتبار الخبر، فهو نفى مرتين، تم كلامه. [كأنه أشير] إلى أن هذا الفعل من الشئون التي عدمها راجح على الوجود، وأنها من قبيل المحال، ومنه قوله تعالى: {ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنتَ فِيهِمْ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>