للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٩٦٣ - وعن أبي رافع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجار أحق بسقبه)). رواه البخاري.

ــ

قالوا: الحكمة في ثبوت الشفعة إزالة الضرر عن الشريك، وخصت بالعقار؛ لأنه أكثر الأنواع ضرراً. واتفقوا علي أن لا شفعة في غير العقار من الحيوان والثياب والأمتعة وسائر المنقولات. واستدل أصحابنا بهذا الحديث علي أن الشفعة لا تثبت إلا في عقار محتمل للقسمة، بخلاف الحمام الصغير والرحى ونحو ذلك، والشركة لا تختص بالمسلم بل تعم المسلم والذمي، وبه قال الجمهور. وقال الشعبي والحسن وأحمد: لا شفعة للذمي علي المسلم.

وقوله: ((لا يحل له أن يبيع)) محمول عند أصحابنا علي الندب، وكراهة بيعه قبل إعلامه، فإن نفي الحل يصدق علي المكروه؛ لأنه ليس بحلال، أو يكون الحلال بمعنى المباح، وهو مستوي الطرفين، والمكروه ليس بمباح مستوي الطرفين بلا هو راجح تركه. واختلفوا فيما لو أعلم الشريك بالبيع فأذن فيه فباع، ثم أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة، فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابهم وغيرهم: له أيأخذ بالشفعة. وقال الحاكم والثوري وطائفة من أهل الحديث: ليس له الأخذ. وعن أحمد روايتان كالمذهبين. والله أعلم.

الحديث الثالث عن أبي رافع: قوله: ((بسقبه)) المغرب: السقب القرب، وبالصاد لغة، وهما مصدر أسقبت الدار وصقبت والصاقب القريب. والمعنى الجار أحق بالشفعة إذا كان جاراً ملاصقاً، والباء من صلة ((أحق)) لا للتسبب، وأريد بالسقب الساقب علي معنى ذو سقب من داره أي قريبة. ويروى في حديث عمرو بن الشريد أنه صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك، قيل: وما سقبه؟ قال: شفعته. ((خط)): يحتمل أن يراد به البر والمعونة وما في معناهما. ((تو)): ويرحم الله أبا سليمان فإنه لم يكن جديراً بهذا التعسف، وقد علم أن الحديث قد روي عن الصحابي في قصة صار البيان مقترناً به؛ ولهذا أورده علماء النقل في كتب الأحكام في باب الشفعة، وأولهم وأفضلهم البخاري ذكره بقصته عن عمرو بن الشريد إلي آخره.

أقول: الواجب علي الناظر أن لا يسلك طريق التعصب، ويأخذ المنهج القويم، ثم النظر إلي نفس

التركيب من غير اعتبار أمر خارجي يوجب التأويل، فالسقب حقيقة هو القرب، وإذا ذهب إلي المجاز فالبر

والإحسان أقرب لوجود العلاقة المعتبرة، والقرينة الصارفة إليهما من نفس التركيب، ومثله ما روي عن عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله! إن لي جارين فإلي أيهما أهدي؟ قال: ((إلي أقربهما منك باباً))، وإذا ذهب إلي الشفعة كانت العلاقة بعيدة، والقرينة خفية فيصير بمنزلة التعمية والإلغاز، فيفتقر إلي الاستفسار كما رواه صاحب المغرب،

<<  <  ج: ص:  >  >>