للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٩٦٤ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره)) متفق عليه.

ــ

وهو من أئمة اللغة؛ ولأن ((أحق)) يقتضي شركة في نفس الشفعة، ومن له حق الشفعة الشريك والجار علي زعمكم، فكيف يرجح الجار عليه مع ورود تلك النصوص الصريحة الصحيحة؟.

وأما إيراد الإمام محمد بن إسماعيل في باب الشفعة مع اقتران البيان به، فليس بحجة علي الإمام الشافعي ولا علي أبي سليمان، علي أن محيي السنة فعل كذلك في كتاب المصابيح، وبين ما قصدته في شرح السنة حيث قال: وإن كان المراد منه الشفعة فيحمل الجار علي الشريك جمعا بين الخبرين. واسم الجار قد يقع علي الشريك؛ لأنه يجاور شريكه بأكثر من مجاورة الجار؛ فإن الجار لا يساكنه والشريك يساكنه في الدار المشتركة، ويدل علي أنه قال: ((أحق)) وهذه اللفظة تستعمل فيمن لا يكون غيره أحق منه. والشريك بهذه الصفة أحق من غيره وليس غيره أحق منه. وذكر أيضا الوجه الذي ذكره الخطابي؛ لاحتماله، وإن كان الأول هو الوجه؛ لما سيرد في حديث جابر: ((الجار أحق بشفعته إذا كان طريقهما واحدا)) لأنه تفسير للمبهم وتقييد للمطلق. وكم ترى من كلمة في التنزيل لها محتملات مختلفة بل متضادة ذكرها المفسرون، وأكثروا فيها القول، ولم يكن ذلكم مغمزاً فيهم ومطعناً للمخالف. وإذا كان الأمر علي هذا؛ فلا وجه للتشنيع علي الإمام القدوة المحدث أبي سليمان الذي لان له الحديث، كما لان لسليمان الحديد.

الحديث الرابع ع أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا يمنع جار)) ((مح)): اختلفوا في معنى هذا الحديث، هل هو علي الندب إلي تمكين الجار من وضع الخشب علي جدار جاره أم علي الإيجاب؟ وفيه قولان للشافعي ولأصحاب مالك، أصحهما الندب. وبه قال أبو حنيفة، والثاني: الإيجاب وبه قال أحمد وأصحاب الحديث، وهو الظاهر لقول أبي هريرة بعد روايته: ((مالي أراكم عنها معرضين: والله لأرمين بها بين أكتافكم)) وذلك أنهم توقفوا عن العمل به. وفي رواية أبي داود: ((فنكسوا رءوسهم فقال: مالي أراكم أعرضتم)) أي عن هذه السنة أو الخصلة أو الموعظة أو الكلمات. ومعنى قوله: ((لأرمين بها بين أكتافكم)) أقضي بها وأصرحها وأوجعكم بالتقريع بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه. وأجاب الأولون بأن إعراضهم إنما كان لأنهم فهموا منه الندب لا الإيجاب. ولو كان واجبا لما أطبقوا علي الإعراض عنه.

أقول: يجوز أن يرجع الضمير في قوله: ((لأرمين بها)) إلي ((الخشبة))، ويكون كناية عن إلزامهم بالحجة القاطعة علي ما ادعاه، أي لا أقول: إن الخشبة ترمى علي الجدار بل بين أكتافكم؛ لما وصى صلى الله عليه وسلم بالبر والإحسان في حق الجار وحمل أثقاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>