كالذر، ثم كلمهم قبلاً قال:(ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) رواه أحمد [١٢١].
ــ
إن حديث ابن عباس من جملة الآحاد فلا يلزمنا أن نترك به ظاهر الكتاب، وقال: إنما جدوا في الهرب عن القول في معنى الآية بما يقتضي ظاهر الحديث، لمكان قوله سبحانه:{أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} فقالوا: إن كان هذا الإقرار عن اضطرار، حيث كوشفوا بحقيقة الأمر وشاهدوه عين اليقين فلهم يوم القيامة أن يقولوا: شهدنا يومئذ، فلما زال عنا علمنا علم الضرورة، ووكلنا إلى رأينا كان منا من أصاب، ومنا من أخطأ – وإن كان عن استدلال – ولكنهم عصموا عنده من الخطأ، فلهم أيضاً أن يقولوا: أيدنا يوم الإقرار بتوفيق وعصمة، وحرمناها من بعد، ولو مددنا بهما أبداً لكانت شهادتنا في كل حين كشهادتنا اليوم الأول. فقد تبين أن الميثاق ما ركز الله فيهم من العقول وآتاهم وآباءهم من البصائر؛ لأنها هي الحجة الباقية المانعة لهم عن قولهم:{إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} لأن الله تعالى جعل هذا الإقرار حجة عليهم في الإشراك كما جعل بعث الرسل حجة عليهم في الإيمان بما أخبروا عنه من الغيوب. ولهم في ذلك كلام كثير اكتفينا عنه بهذا المقدار، والغرض منه توفيق الطالبين على موضع الإشكال، والتوفيق بين الآية وحديث عمر على ما ذكرناه متعسر، والتوفيق بينهما وبين حديث ابن عباس على الوجه الذي لا يعارضه حجة أخرى من الكتاب مشكل جداً، إلا أن يعلل الحديث بما عللوه، انتهى كلامه.
وأيضاً الاستدلال الذي بسببه حصل لهم العلم بالوحدانية يوم الميثاق إن كان حاصلا لهم في الدنيا وقت التكليف كان كافياً في المحجوجية، فلا فائدة في الميثاق السابق، وإن لم يكن حاصلا لهم في وقت التكليف لم يصيروا محجوجين بما فقدوه، كما لا يخفي تأمل.
وأقول: خلاصة ما قالوا: أنه يلزم أن لا يكونوا محجوجين يوم القيامة. والجواب: أنهم إذا قالوا: شهدنا يومئذ، فلما زال علم الضرورة ووكلنا إلى رأينا كان منا من أصاب، ومنا من أخطأ – إلى تمام ما ذكرنا – قيل لهم: كذبتم، إنكم ما وكلتم إلى رأيكم، بل أرسلنا رسلنا تترى يوقظونكم عن سنة الغفلة؛ فإن الرسل بعثوا لينبهوا عن الغفلة، وليبعثوا على النظر. وتناسيهم، وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق. وأما الجواب عن قولهم: فلهم أن يقولوا: فإذا حرمنا اللطف والتوفيق فأي منفعة لنا في العقل، والبصيرة؟ والذي