٣٠٨٢ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك)) متفق عليه.
ــ
وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم، وسميت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء الأمة فضلا وديناً وحسباً. وكان التبتل من شريعة النصارى، فنهي النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه؛ ليكثر النسل ويدوم الجهاد. وقال ابن عباس لسعيد بن جبير:((تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً)). أقول: كان من حق الظاهر أن يقال: لو أذن لتبتلنا، فعدل إلي قوله:((اختصينا)) إرادة للمبالغة، أي لو أذن له لبالغنا في التبتل حتى الاختصاء، ولم يرد به حقيقته لأنه غير جائز. ((مح)): كان ذلك ظناً منهم جواز الاختصاء، ولم يكن هذا الظن موافقاً؛ فإن الاختصاء في الآدمي حرام صغيراً أو كبيراً، وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز في صغيره ويحرم في كبيره.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها)) بدل من ((أربع)) بإعادة العامل، وقد جاء اللام مكرراً في الخصال الأربع في ((صحيح مسلم)) وليس في ((صحيح البخاري)) اللام في ((جمالها)). ((قض)): من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى أربع خصال عدوها. واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره، فلذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم بأوكد وجه وأبلغه، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية، ومنتهي الاختيار، والطلب الدال علي تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة.
وأما قوله:((تربت يداك)) فقد سبق غير مرة أن هذا وأمثاله وإن كان دعاء في أصله، إلا أن العرب تستعملها لمعان اخر كالمعاتبة والإنكار والتعجب وتعظيم الأمر والحث علي الشيء، وهو المراد به هاهنا. ((نه)): ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى، ولم ترد العرب وقوع الأمر بها، كما تقول: قاتله الله. وقيل: هو دعاء علي الحقيقة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قد قال لعائشة:((تربت يمينك))؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأي الحاجة خيراً لها، والأول أوجه. ((حس)): هي كلمة جارية علي ألسنتهم كقولهم: لا أب لك ولا أم لك ولم يرد وقوع الأمر، وقيل: قصد بها وقوع الأمر لتعديه ذوات الدين إلي ذوات الجمال والمال، ومعناه تربت يداك إن لم تفعل ما أمرتك، والأول أولي.
أقول: إنما كان الأول أوجه؛ لأنه من باب العكس تعجباً، وذلك أنهم إذا رأوا مقداماً أبلي في الحرب بلاء حسناً، يقولون: قاتله الله، ما أشجعه! إنما يريدون به ما تزيد به قوته وشجاعته ونصرته، وكذلك ما نحن فيه؛ فإن الرجل إنما يؤثر تلك الثلاثة علي ذات الدين لإعدامها مالاً