للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٠٩١ - وعن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم)) رواه أبو داود، والنسائي. [٣٠٩١]

ــ

المجموع، أي إن لم تزوجوا من ترضون دينه وخلقه تحدث فتنة في الأرض وفساد عريض، والفساد خروج الشيء عن حالة استقامته، وكونه منتفعاً به، ونقيضه الصلاح وهو الحصول علي الحالة النافعة. والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن؛ لأن في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية، قال الله تعالي: {وإذَا تَوَلي سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ}.

والحديث يحتمل وجهين: أحدهما: أنكم إن لم ترغبوا فيمن له الدين المرضي والخلق الحسن الموجبان لصلاح الأرض واستقامتها، ورغبتم في مجرد الحسب والمال الجالبين للطغيان المؤدي إلي البغي والفساد في الأرض – تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، وإلي هذا المعنى أشار التنزيل في حق المنافقين: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لَاّ يَشْعُرُونَ}. وثإنيهما: ما ذكره المظهر وهو إن لم تزوجوا من ترضون دينه، بل نظرتم إلي صاحب مال وجاه كما هو من شيمة أبناء الدنيا، يبقى أكثر النساء بلا زوج والرجال بلا زوجة، فيكثر الزنا ويلحق العار الأولياء والغيرة، فيقع القتل فيمن نسب إليه هذا العار، فتهيج الفتن.

وفي الحديث دليل لمالك فإنه يقول: لا يراعى في الكفاءة إلا الدين وحده. ومذهب الجمهور أنه يراعى أربعة أشياء: الدين، والحرية، والنسب، والصنعة؛ فلا تزوج المسلمة من كافر، ولا الصالحة من فاسق، ولا الحرة من عبد، ولا المشهورة النسب من الخامل، ولا بنت تاجر أو لمن له حرفة طيبة ممن له حرفة خبيثة أو مكروهة، فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح، وإن رضي أحدهما بغير كفء دون الآخر فالنكاح باطل، وإن كثرت الأولياء لابد من رضي الكل.

الحديث الثالث عن معقل: قوله: ((فإني مكاثر)) يعني أغالب الأمم السالفة في الكثرة بأمتي، وهو تعليل للأمر بتزويج الودود الولود؛ وإنما أتى بالقيدين، لأن الولود إذا لم تكن ودوداً لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولوداً لم يحصل المطلوب. ((مظ)): وفيه استحباب التزوج وإيثار الولود الودود علي غيرها، وفضيلة كثيرة الأولاد؛ لأن بها يحصل ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من المباهاة، وتظهر فائدة الخلق من العبادة. ويعرف القيدان أعنى الودود الولود في الأبكار من أقاربهن؛ لأن الغالب سراية طباع الأقارب من بعضهن إلي بعض.

<<  <  ج: ص:  >  >>