للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٠٩٢ - وعن عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاماً، وأرضي باليسير)). رواه ابن ماجه مرسلاً. [٣٠٩٢]

ــ

الحديث الرابع عن عبد الرحمن: قوله: ((فإنهن أعذب)) أفرد الخبر وذكر علي تقدير ((من)) كقوله تعالي: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ((تو)): إنما أضاف العذوبة إلي الأفواه إرادة ما يحويه من الريق، ويقال للريق والخمر: الأعذبان، والعذب الماء الطيب. ((شف)): يمكن أن يكون ((أعذب أفواهاً)) مجازاً عن قلة بذائها وفحشها مع زوجها لبقاء حيائها؛ فإنها ما خالطت زوجاً قبله. قوله: ((وأنتق أرحاماً)) ((نه)): أي أكثر أولاداً يقال للمرأة الكثيرة الولد ناتق؛ لأنها ترمي بالأولاد رمياً والنتق المرمي. وقوله: ((وأرضي باليسير)) ((تو)): أي أرضي باليسير من الأرفاق؛ لأنها لم تتعود في سالف الزمان دون معاشرة الأزواج ما يدعوها إلي استقلال ما تصادفه في المستأنف.

أقول: أمر صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق بتزوج الودود الولود، فينزل هذا الحديث علي ذلك، فقوله: ((وأنتق أرحاماً) عبارة عن الولود، فينبغي أن تحمل القرينتان علي ما يزيد المحبة والود؛ فقوله: ((أعذب أفواهاً)) كناية عن كونها أعذب ألفاظاً؛ فإن حسن الكلام يدل علي حسن الخلق، وسوء المنطق يدل علي سوء الخلق، ومن رضي باليسير وقنع بالموجود يكن نقي القلب طاهر [الحديث] راضياً عن الله تعالي علي ما رزقه الله وأولاه، فإذا اجتمع طيب اللسان والجنان فقد كمل المقصود من الودود، قال الشاعر:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

فإن قلت: إذا كان المراد من قوله: ((أعذب أفواهاً)) أعذب ألفاظاً، فلم عدل عنه؟ قلت: قد تقرر عند علماء البيان أن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة، فإنك إذا قلت: فلان طويل النجاد، وأردت طول قامته مع طول نجاده جاز، فكذلك هاهنا يفيد أنها طيبة النكهة لذيذة الريق حسنة المنطق، ولو صرح بهذا لم يفد هذه الفائدة.

قال الشيخ أبو حامد في الإحياء: من فوائد البكارة أن تحب الزوج وتألفه فيؤثر في معنى الود، والطباع مجبولة علي الأنس بأول مألوف، وأما التي اختبرت الرجال ومارست الأحوال فربما لا ترضي بعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتقلي الزوج، وكذلك الزوج يحبها فإن الطبع ينفر عن التي مسها غير الزوج نفرة ما، وذلك يثقل علي الطبع مهما يذكر، وبعض الطباع في هذا أشد نفوراً. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>