للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣١٦٨ - وعنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، فكأنه كره ذلك. فقالت: إنه أخي. فقال: ((انظر من إخوانكن؟ فإنما الرضاعة من المجاعة)). متفق عليه.

ــ

أقول: يؤيده قول الشيخ محي الدين في شرح مسلم: ((فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)) معناه أن نسخ خمس رضعات تأخر إنزاله جدا، حتى أنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات قرآنا متلوا لم يبلغه النسخ؛ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عنه، وأجمعوا علي أن هذا لا يتلي – انتهي كلامه. فإذن يكون قولها: ((عشر رضعات معلومات)) منسوخ الحكم والتلاوة وقولها: ((خمس معلومات)) منسوخ التلاوة ثابت الحكم كآية الرجم. وأما حديث أم الفضل ((لا تحرم الرضعة أو الرضعتان)) فمبين لقوله تعالي: {وأُمَّهَاتُكُمُ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} أنه لا يكفي رضعة أو رضعتان، ولا يعمل بالمفهوم كما عليه مذهب داود، أنه لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لثبوت حكم خمس رضعات؛ لأنه لا ينافي حديث أم الفضل، والله أعلم.

الحديث السابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فإنما الرضاعة من المجامعة)) ((مح)): أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة ما تكون من الصغر، حين يكون الرضيع طفلا يسد اللبن جوعته، فأما ما كان بعد بلوغ الصبي حدا مما لا يسد اللبن جوعته، ولا يشبعه إلا الخبز وما في معناه، فلا تثبت به الحرمة. واختلف أهل العلم في تحديد مدة الرضاع، فذهب جماعة إلي أنها حولان، لقوله تعالي: {والْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة} فدل علي أن حولين تمام مدتها، فإذا انقطعت انقطع حكمها، يروى معناه عن ابن مسعود وأبي هريرة وأم سلمه، وبه قال الشافعي. وحكي عن مالك أنه جعل حكم الزيادة علي الحولين حكم الحولين. قال أبو حنيفة: مدة الرضاع ثلاثون شهرا؛ لقوله تعالي: {وحَمْلُهُ وفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} وهو عند الأكثرين لأقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع. والفصال الفطام، ومنه قوله تعالي: {فَإنْ أَرَادَا فِصَالاً} أي فطاما. أقول: ((انظرن)) هنا بمعنى التفكر والتأمل. و ((من)) استفهامية مفعول به علي تأويل الجواب للاستفهام وقوله: ((فإنما الرضاعة من المجاعة)) تعليل للبعث علي إمعان النظر والتفكير؛ لأن الرضاعة تثبت النسب وتجعل الرضيع محرما، ولا يحصل ذلك إلا بإنبات اللحم وتقوية العظم، فلا تكفي مصة أو مصتان، ولا أن يشبعه إلا الخبز وما في معناه.

((مظ)): المعنى ليس كل من أرضع لبن أمهاتكن يصير أخا لكن، بل شرطه أن تكون الرضاعة من المجاعة، فيشبع الولد بذلك، ويكون ذلك في الصغر؛ فإن الصغير معدته ضعيفة، يكفيه البن ويشبعه ولا يحتاج إلي طعام آخر، فينبت لحمه ويقوى عظمه، فيصير كجزء من المرضعة، فيكون ولدها كسائر أولادها التي ولدتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>