للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عذاب القبر. فقال: ((نعم، عذاب القبر حق)). قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ بالله من عذاب القبر. متفق عليه.

١٢٩ - وعن زيد بن ثابت، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادث به وكادت تلقيه. وإذا أقبر ستة أو خمسة، فقال: ((من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟)) قال رجل: أنا. قال: ((فمتى ماتوا؟)) قال: في الشرك.

ــ

وأقول: فيه إرشاد للخلق وتواضع منه صلى الله عليه وسلم، فإن مثله حين سمع من مثل تلك اليهودية الحق ما استنكف من ذلك، وعمل بما يوجب ما قاله عليه الصلاة والسلام: ((كلمة الحكمة ضالة كل حكيم)) ونعم ما قال علي رضي الله عنه: ((فانظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال)).

الحديث الخامس عن زيد رضي الله عنه: قوله: ((في الحائط)) الحائط البستان، و ((بنو النجار)) قبيلة من الأنصار، و ((على بغلة)) حال من الضمير المستتر في الخبر، و ((نحن معه)) حال متداخلة؛ لأنه حال من الضمير في الحال، و ((إذا)) للمفاجأة، وقد سبق في أول الكتاب إعرابه، وهو أيضاً حال، كقول أبي الطيب: تدوس بنا الجماجم والتريبا، أي حادت ونفرت ملتبسة به عليه الصلاة والسلام. و ((إذا أقبر)) ((إذا))، للمفاجأة والواو للحال أي نحن على ذلك مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، ((وإذا أقبر)) أي ظهرت لنا قبور متعددة فاجأناها.

قوله: ((في الشرك)) لابد من تقدير ليطابق الجواب السؤال، أي متى ماتوا في الجاهلية مشركين أم بعدها مؤمنين؟ فأجاب: في أيام الشرك، أو يقال: متى ماتوا؟ فأجاب أي منذ سنة في الشرك. و ((إن هذه الأمة)) أي جنس الإنسان. ((غب)): الأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما، إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أو اختياراً. و ((هذه)) إشارة إلى ما في الذهن، والخبر بيان له، كقوله: هذا أخوك. قوله: ((أن يسمعكم)) مفعول ثان لقوله: ((دعوت)) على تضمين سألت.

((تو)): هذا كلام مجمل، وما يسبق إلى الفهم هو أنهم لو سمعوا ذلك لتركوا التدافن حذراً من عذاب القبر. وفيه نظر؛ لأن المؤمن لا يليق به ذلك، بل يجب عليه أن يعتقد أن الله تعالى إذا أراد تعذيب أحد عذبه – ولو في بطون الحيتان، وحواصل الطيور – وسيان دون القدرة الأزلية بطن الأرض وظهرها، وبعد ذلك فإن المؤمنين أمروا بدفن الأموات فلا يسعهم ترك ذلك إذا قدروا عليه. والذي نهتدي إليه بمقدار علمنا، وهو أن الناس لو سمعوا ذلك لهم كل واحد منهم خويصة نفسه، وعمهم من ذلك البلاء العظيم حتى أقضى بهم إلى ترك التدافن، وخلع الخوف أفئدتهم حتى لا يكادوا يقربوا جيفة ميت. مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((لو عملتم ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً)). وفيه أن الكشف بحسب الطاقة، ومن كوشف بما لا يسعه يطيح

<<  <  ج: ص:  >  >>