فهما يعطي رجل في كتابه وما في الصحيفة. قلت: ما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر. رواه البخاري.
وذكر حديث ابن مسعود:((لا تقتل نفس ظلماً)) في ((كتاب العلم)).
ــ
قيل:((الصحيفة)) صحيفة كانت في علاقة سيفه، وكان فيها من الأحكام غير ما ذكر في الحديث، ولعله لم يذكر جملة ما فيها؛ إذ التفصيل لم يكن مقصودا، أو ذكر ولم يحفظه الراوي. والعقل الدية، يريد أن فيها ذكر ما يجب – كدية النفس والأعضاء – من الإبل، وذكر أسنانها وعددها وسائر أحكامها، و ((فكاك الأسير)) أي فيها حكمه والترغيب فيه، وأنه من أنواع البر الذي ينبغي أن يهتم به.
((ولا يقتل مسلم بكافر)) عام يدل علي أن المؤمن لا يقتل بكافر قصاصاً، سواء الحربي والذمي. وهو قول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وعكرمة والحسن وعمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب الثوري وابن شبرمة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقيل: يقتل بالذمي، والحديث مخصوص بغيره، وهو قول الشعبي والنخعي، وإليه مذهب (مالك) وأصحاب أبي حنيفة؛ لما روى عبد الرحمن بن السلمإني أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة، فرفع ذلك إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((أنا أحق من أوفي بذمته)) ثم أمر به فقتل.
وأجيب عنه بأنه منقطع لا احتجاج به، ثم إنه أخطأ؛ إذ قيل: إن القاتل كان عمرو بن أمية الضمري، وقد عاش بعد الرسول صلى الله عليه وسلم سنين، ومتروك بالإجماع؛ لأنه روى أن الكافر كان رسولا فيكون مستأمنا، والمستأمن لا يقتل به المسلم وفاقاً، وإن صح فهو منسوخ؛ لأنه روى أنه كان قبل الفتح وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في خطبة خطبها علي درج البيت:((ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده)).
((شف)): فيه إرشاد للعالم أن الفهم أن يستخرج من القرآن بفهمه، ويستنبط بفكره وتدبره ما لم يكن منقولا من المفسرين، لكن بشرط موافقته للأصول الشرعية، ففيه فتح الباب علي ذوي الألباب. أقول: قول القاضي: والظاهر أن ((ما في الصحيفة)) عطف علي ((ما في القرآن)) لعله تعريض بتوجيه الشيخ التوربشتي، حيث قال: حلف حلفه أن ليس عنده من ذلك شيء سوى القرآن ثم استثناه استثناءً أراد به استدراك معنى اشتبه عليهم معرفته، فقال:((إلا فهما يعطي رجل في كتابه)) والمعنى أن التفاوت في العلوم لم يوجد من قبل البلاغ، وإنما وقع من قبل الفهم، ثم قرن بذلك ((ما في الصحيفة)) احتياطاً في يمينه وحذراً من أن يكون ما في الصحيفة عند غيره، فحسب أنه عطف علي قوله:((إلا فهما)) ولو ذهب إلي إجراء المتصل مجرى المنقطع علي عكس قول الشاعر: