للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه)) رواه البخاري.

١٤٣ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قيل: ومن أبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)). رواه البخاري.

ــ

زماننا، وإليه الإشارة بقوله: ((ليهريق دمه)) ومزيد القبح في الأول باعتبار المحل، وفي الثاني باعتبار الفاعل، وفي الثالث باعتبار الفعل وفي كل من لفظي المطلب والمبتغى مبالغة أخرى، وذلك أن هذا الوعيد إذا ترتب على الطالب والمتمني فكيف بالمباشر للفعل؟ وإطلاق السنة على فعل الجاهلية إما وارد على أصل اللغة، أو على التهكم، وهي مثل النياحة، والميسر، والنيروز.

((قض)): الإلحاد الميل عن الصواب، ومنه اللحد، والملحد في الحرام من أحدث فيه جنابة، أو أتى فيه بمعصية، فهو مخالف لأمر الله، وهاتك لحرمته من وجهين، فهو أحق بالغضب على الإطلاق ومزيد البغضاء، وكذا الطالب في الإسلام سنة الجاهلية. وأما القاصد لقتل امرئ بغير حق فهو يقصد ما يكرهه الله تعالى من وجهين: من حيث أنه ظلم، والظلم على الإطلاق مكروه مبغوض، ومن حيث أنه يتضمن موت العبد، وهو يسوءه، والله سبحانه وتعالى يكره مساءته، فيستحق مزيد المقت.

و ((ليهريق)) أصله ليؤريق من أراق على الأصل، فأبدلت الهمزة هاء، يقال: هرقت الماء وأرقته، كما يقال: هردت الشيء وأردته. قال سيبويه: وقد أبدلوا من الهمزة هاء، ثم التزمت، فصارت كأنها من نفس الحرف، ثم أدخلت الألف على الهاء، - وتركت به الهاء – عوضاً عن حذفهم حركة العين؛ لأن الأصل أهرق أريق.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((كل أمتي يدخلون الجنة)) يحتمل أن يراد بالأمة أمة الدعوة، أي كلهم يدخلون الجنة على التفصيل السابق في باب الإيمان، و ((الآبي)) هو الكافر. أو يراد بها أمة الإجابة، فـ ((الآبي)) هو العاصي من أمته، استثناه تغليظاً عليهم، وزجراً عن المعاصي ((ومن أبى)). عطف على محذوف، أي عرفنا الذين يدخلون الجنة، ومن الذي أبى؟ أي والذي أبى لا نعرفه، وكان من حق الجواب أن يقال: من عصاني، فعدل إلى ما هو عليه تنبيهاً به على أنهم ما عرفوا ذلك ولا هذا، إذ التقدير: من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة دخل الجنة، ومن اتبع هواه، وزل عن الصواب، وضل عن الطريق المستقيم – فقد دخل النار. فوضع ((أبى)) موضعه وضعاً للسبب موضع المسبب. ويشد هذا التأويل إيراد محيي السنة هذا الحديث في باب الاعتصام بالكتاب والسنة، والتصريح بذكر الطاعة؛ فإن المطيع هو الذي يعتصم بالكتاب والسنة، ويجتنب عن الأهواء والبدع.

<<  <  ج: ص:  >  >>