١٤٤ - وعن جابر، قال: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً؛ فاضربوا له مثلاً. قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل معه من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم
ــ
الحديث الخامس عن جابر: قوله: ((مأدبة)) ((فا)): المأدبة – بالضم – اسم للصنيع نفسه كالوليمة، وشبهها سيبويه بالمشربة، وغرضه أنها ليست كفعلة ومفعلة في كونهما بنائين للمصادر والظروف. و ((المأدبة)) – بالفتح – مصدر بمعنى الأدب، وهو الدعاء إلى الطعام، كالمعتبة بمنزلة العتب، أو عبيدة:((المأدبة)) المدعاة، وهي صنيع الرجل لضيفه يدعو إليه الناس.: ((قض)): الحديث يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون حكاية سمعها جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فحكاها، وثانيهما أن يكون إخباراً عما شاهده هو نفسه وانكشف له. وقول بعضهم:((إنه نائم))، وقول بعضهم:((إن العين نائمة، والقلب يقظان)) مناظرة جرت بينهما بياناً وتحقيقاً لما أن النفوس القدسية الكاملة لا يضعف إدراكها بضعف الحواس، واستراحة الأبدان.
و ((أولوها)) أي فسروا الحكاية أو التمثيل بمحمد عليه الصلاة والسلام، من: أول تأويلاً، إذا فسر بما يؤول إليه الشيء والتأويل في اصطلاح العلماء تفسير اللفظ بما يحتمله احتمالا غير بين. والفاء في ((فمن أطاع محمداً)) فاء السببية، أي لما كان الرسول يدعوهم إلى الله بأمره، وهو سفير من قبله، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله. و ((فرق)) روى بالتشديد على صيغة الفعل، وبالسكون على المصدر، وصف به للمبالغة كالعدل، أي هو الفارق بين المؤمن والكافر، والفاسق والصالح، إذ به تميز الأعمال والعمال.
أقول – وبالله التوفيق -: قوله: ((مثله كمثل رجل)) مطلع للتشبيه، وهو مبني على أن هذا التشبيه ليس من التشبيهات المفرقة، كقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب، والحشف البالي
شبه القلوب الرطبة بالعناب، واليابسة بالحشف على التفريق؛ بل هو من التمثيل الذي ينتزع فيه الوجه من أمور متعددة متوهمة منضم بعضها مع بعض، إذ لو أريد التفريق لقيل: مثله كمثل داع بعثه رجل، ومن ثم قدمت الملائكة في التأويل الدار على الداعي وعلى المضيف. روعي في التأويل أدب حسن، حيث لم يصرح المشبه بالرجل، لكن لمح في قوله:((من أطاع الله)) ما يدل على أن المشبه من هو؟ ونظيره في التمثيل قوله تعالى: {إنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ