١٤٥ - وعن أنس قال: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها؛ فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم:
ــ
الحديث السادس عن أنس: قوله: ((ثلاثة رهط)) ((فا)): الرهط العصابة دون العشرة، ويجمع على أراهيط، وقيل: هو يجمع على أراهط. وإنما جاء الرهط تمييزاً للثلاثة، لأنه في معنى الجماعة، كأنه قال: ثلاثة أنفس. وقيل: هم على، وعثمان بن مظعون، وعبد الله بن رواحة.
وقوله:((تقالوها)) أي وجدوها قليلة، وهو تفاعل من القلة بمعنى استقلوها. ((مظ)): ظنوا أن وظائف رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، فلما سمعوا عدوها قليلة، وقد راعوا الأدب حيث لم ينسبوه إلى القصير، بل أظهروا كماله ولاموا أنفسهم في مقابلتهم إياها بالنبي صلى الله عليه وسلم. وفيه تعليم للمريد بأن لا ينظر إلى الشيخ بعين الاحتقار، وإن رأى عبادته قليلة يظهر عذره، ولئلم نفسه إن جرى منها إنكار على شيخه؛ لأنه من اعترض على شيخه لن يفلح. وفيه أن قلة وظائف النبي صلى الله عليه وسلم كانت رحمة على الأمة وشفقة عليهم، كيلا يتضرروا؛ فإن لأنفسهم عليهم حقاً، ولأزواجهم حقاً؛ لأن الله تعالى خلق الإنسان محتاجاً إلى الطعام ليتقوى صلبه به، فيقوم على عبادة الله تعالى، ولابد للرجال من النساء لبقاء النسل، فيكثر به عباد الله تعالى، ويحصن دينه، وينفق عليها فيؤجر به.
((قض)): ((أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم)) أي بيننا وبينه بون بعيد، فإنا على صدد التفريط وسوء العاقبة، وهو معصوم مأمون العاقبة واثق بقوله تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ ومَا تَأَخَّرَ}. وقوله:((أما الله)) أي إني أعلم به وبما هو أعز لديه وأكرم عنه، فلو كان ما استأثرتموه من الإفراط في الرياضة أحسن مما أنا عليه من الاعتدال في الأمور لما أعرضت عنه. والذنب ماله تبعة دنيوية أو أخروية، مأخوذ من الذنب. ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم معاتباً بترك ما هو أولى تأكيداً للعصمة أطلق عليها اسم الذنب.
((رغب عن سنتي)) أي مال عنها استهانة وزهداً فيها لا كسلا وتهاوناً ((فليس مني)) أي من أشياعي. وأقول: قوله: ((أما أنا)) قد سبق أن ((أما)) للتفصيل، فلابد من تقدير قرينتها، كأنه قال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن خصه الله بالمغفرة فلا عليه أن لا يكثر العبادة، وأما أنا فلست كهيئته؛ فأصلى أبداً.