للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال الآخر: أنا أصوم النهار أبداً، ولا أفطر. وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) متفق عليه.

١٤٦ - وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فخطب فحمد الله، ثم

ــ

وقوله: ((أنا أعتزل النساء)) من باب إطلاق المسبب على السبب، أي أنا أقصد اعتزال النساء ومجانبتها، فلا أتزوج أبداً، وكذا التقدير في ((أنا أصوم)) أي أنا أقصد الصوم وأدوم عليه ولا أفطر في النهار. و ((فقال)) عطف على محذوف، أي فجاء إلى أهله فأخبروه بما قالوا فقال، أو التقدير: فأوحى إليه بما جرى، فجاء إليهم فقال. وقوله: ((أنتم الذين)) أي أأنتم الذين، حذفت همزة الإنكار التي وليت الفاعل المعنوي المزال عن مقره، لمزيد الإنكار، كقوله تعالى: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ}. فكما أكد هذه الفقرة أكد قرينتها، وهي قوله: ((أما والله إني لأخشاكم)) حيث صدرها بحرف التنبيه التي هي من طلائع القسم ومقدماتها، وقرنها بالقسم لتحقيق ما بعدها وإثباته في خلد السامع. و ((الله)) مفعول به ((لأخشاكم)) وأفعل لا يعمل في الظاهر إلا في الظرف. ((ولكني أصوم)) المستدرك مقدر أي أخشاكم لله فينبغي أن أقوم في الرياضة والعبادة إلى أقصى مداه، لكني أقصد منها فأصوم وأفطر، وأصلي وأرقد لتقتدي بي الأمة رحمة من الله.

قوله: ((فمن رغب عن سنتي)) كان من حق الظاهر: من رغب عن ذلك، فعم ليشمل كل ما جاء به وما أمر به ونهى عنه، و ((الفاء)) في ((فمن رغب)) متعلق بمحذوف، أي لكني أفعل ذلك لأسن للناظر الطريقة المثلى والسنة الكملى، فمن رغب عنها فليس مني و ((من)) في ((مني)) اتصالية، كما سبق في قوله: ((لست منك ولست مني)).

الحديث السابع عن عائشة: قوله: ((صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ((غب)): الصنع إجادة الفعل؛ وكل صنع فعل ولا ينعكس. ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل. ((خط)): ((يتنزهون)) يتباعدون ويحترزون. و ((أعلمهم بالله)) أي بعذاب الله وغضبه، يعني أنا أفعل شيئاً من المباحات، كالنوم، والأكل في النهار والتزوج، وقم يحترزون عنه، فإن احترزوا عنه لخوف عذاب الله تعالى فإني أعلم بقدر عذاب الله تعالى منهم، فأنا أولى أن أحترز

<<  <  ج: ص:  >  >>