٣٦٩٠ - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله علي منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)). رواه مسلم.
ــ
الحديث الثلاثون عن عبد الله: قوله: ((إن المقسطين)) ((تو)): القسط بالكسر العدل، والأصل فيه النصيب، نقول منه: قسط الرجل إذا جار، وهو أن يأخذ قسط غيره، والمصدر القسوط. وأقسط إذا عدل، وهو أن يعطي نصيب غيره، ويحتمل أن الألف أدخل فيه لسلب المعنى، كما أدخل في كثير من الأفعال فيكون الإقساط إزالة القسوط.
قوله:((علي منابر)) ((مح)): المنابر جمع منبر، سمى به لارتفاعه. قال القاضي عياض: يحتمل أن يكونوا علي منابر حقيقة علي ظاهر الحديث، وأن يكون كناية عن المنازل الرفيعة. قال الشيخ: ويمكن أن يجمع بينهما؛ لأن من كان علي منابر فهو علي أعلي مرتبة، ويؤيده قوله:((عن يمين الرحمن)). ((تو)): المراد منه كرامتهم علي الله وقرب محلهم وعلو منزلتهم؛ وذلك لأن من شأن من عظم قدره في الناس، أن يبوأ عن يمين الملك، ثم إنه نزه ربه سبحانه عما سبق إلي فهم من لم يقدر الله حق قدره من مقابلة اليمين باليسار، وكشف عن حقيقة المراد بقوله:((وكلتا يديه يمين)) ((خط)): ليس فيما يضاف إلي الله تعالي من صفة اليدين شمال؛ لأن الشمال تدل علي النقص والضعف: وقوله: ((وكلتا يديه يمين)) هي صفة جاء بها التوقيف، فنحن نطلقها علي ما جاءت ولا نكيفها، وننتهي حيث انتهي بنا الكتاب والأخبار الصحيحة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
أقول: - والله أعلم – قوله:((عند الله)) خبر إن، أي المقسطين مقربون عند الله تعالي، و ((علي منابر)) يجوز أن يكون خبرا، بعد خبر أو حالا من الضمير المستقر في الظرف. و ((من نور)) صفة منابر مخصصة لبيان الحقيقة، ((وعن يمين الرحمن)) صفة أخرى لـ ((منابر)) مبينة للرتبة والمنزلة. ويجوز أن يكو حالا بعد حال علي التداخل. وقوله:((يمين الرحمن)) بعد قوله: ((عند الله)) تقييد بعد إطلاق وتخصيص بعد تعميم؛ لوضع الرحمن موضع ضمير ((الله))، وقد سبق أن اسم الله جامع لجميع صفات الجلال والإكرام. و ((الرحمن)) من صفة الإكرام، فدل اليمين علي أن الله تعالي يفيض عليهم حينئذ من جلائل نعمه وفضائل إحسانه ما لا يحصر فيكون قوله:((وكلتا يديه يمين)) تذييلا للكلام السابق، فعلي هذا اللام في ((المقسطين)) للتعريف كما في الرجل والفرس، ويجوز أن تكون موصولة، وتكون الظروف كلها متصلات بالصلة، وخبر ((إن)) قوله: ((الذين يعدلون))، وقوله:((وكلتا يديه يمين)) متعرضة بين اسم ((إن)) وخبره صيانة لجلال الله وعظمته عما لا يليق به. قال أبو الطيب:
وتحتقر الدنيا احتقار مجرب ترى كل ما فيها وحاشاك فإنيا