والتثنية في اليدين للاستيعاب، كما في قوله تعالي:{ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إلَيْكَ} ولبيك وسعديك والخير كل بيديك.
((مح)): العرب تنسب الفعل الذي يحصل بالجهد والقوة إلي اليمين، وكذا الإحسان والإفضال إلها وضدهما إلي اليسار. وقالوا: اليمين مأخوذ من اليمن. ((قض)): ((وكلتا يديه)) دفع لتوهم من يتوهم أن له يميناً من جنس أيماننا التي يقابلها يسار، وأن من سبق إلي التقرب إليه حتى فاز بالوصول إلي مرتبة من المراتب الزلفي من الله، عاق غيره عن أن يفوز بمثله كالسابق إلي محل مجلس السلطان، بل جهاته وجوانبه التي يتقرب إليها العباد سواء.
قوله:((الذين يعدلون)) ((مح)): معناه أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما يقلده من خلافة وإمارة أو قضاء أو حسبة، أو نظر علي يتيم أو صدقة أو وقف، فيما يلزمه من حقوق أهله وعياله ونحو ذلك. قال:((وما ولوا)) بفتح الواو وضم اللام المخففة أي كانت لهم عليهم ولاية. ((مظ)): وليوا علي وزن علموا انقلبت ضمة الياء إلي اللام، وحذفت لالتقاء الساكنين. والمراد بقوله:((وما ولوا)) أي يعدلون فيما تحت أيديهم من أموال اليتامى مثل الجد؛ فإنه ولي الطفل، والوصي؛ فإنه حاكم في التصرف في أموال اليتامى.
أقول: قوله: ((الذين يعدلون)) يحتمل وجوهاً من الإعراب أن يكون خبراً لـ ((إن)) كما سبق، وأن يكون صفة ((للمقسطين)) علي تأويل ذوات لها الأقساط، كما يقال: شجاع باسل، وعليه ظاهر كلام الشيخ التوربشتي؛ إذ قال: وقد فسر ((المقسطين)) في الحديث بما وصفهم به من قوله: ((الذين يعدلون)) إلي آخر الحديث. وأن يكون بدلا أو نصباً علي المدح أو رفعاً عليه، وأن يكون استئنافاً، كأنه قيل: من هؤلاء السادة المقربون، وقد فازوا بالقدح المعلي والمنحة الكبرى؟ فقيل: هم الذين يعدلون إلي آخره، فإذ جعل صفة فالتعريف في ((المقسطين)) يحتمل العهد المتعارف بين الناس من الحكام، وأن يكون للجنس، فبين بقوله:((الذين يعدلون)) أن المراد به الثاني.
ولما كان المراد به استغراق الجنس مشتملا علي التعدد قال: أولا ((في حكمهم)) ليدخل فيه من بيده أزمة حكم الشرع من الخلفاء والأمراء والقضاة وغيرهم. وثإنياً ((وأهليهم)) ليدخل فيه كل من تحت يده أحد من أهله وعياله ونحو ذلك، وثالثاً ((وما ولوا)) ليستوعب جميع من يتولي أمراً من الأمور فيدخل فيه نفسه أيضاً. ((شف)): فالرجل يعدل مع نفسه بأن لا يضيع وقته في غير ما أمر الله تعالي به بل يمتثل أوامر الله وينزجر عن نواهيه علي الدوام، كما هو دأب الأولياء المقربين، أو غالباً كما هو ديدن المؤمنين الصالحين. أقول: قسم الله تعالي عباده المصطفين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام: ظالم ومقتصد وسابق، فالمقتصد من عدل ولم يتجاوز إلي حد الظلم علي نفسه، ولم يترق إلي مرتبة السابق الذي جمع بين العدل والإحسان.