٣٧٠٨ - وعن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)) رواه أبو داود. [٣٧٠٨]
٣٧٠٩ - وعن معاوية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك إذا اتبعت عورات الناس أفسدتهم)) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [٣٧٠٩]
ــ
وزير صدق علي الوصف به؛ ذهابا إلي أنه نفس الصدق ومجسم عنه، ثم أضيف إليه لمزيد الاختصاص به، ولم يرد بالصدق الاختصاص بالقول فقط بل بالأفعال والأقوال. ((غب)): يعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق، ويضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به، نحو قوله تعالي:{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}{قَدَمَ صِدْقٍ} وعلي عكس ذلك وزير سوء.
الحديث الرابع عشر عن أبي أمامة: قوله: ((إذا ابتغى الريبة)) ((غب)): الريب أن يتوهم بالشيء أمرا، فينكشف عما يتوهمه فيه، والإرابة أن يتوهم فيه أمرا فلا ينكشف عما يتوهمه فيه، والارتياب يجري مجرى الإرابة، وريب الدهر صروفه، وإنما قيل ريب لما يتوهم فيه المكر، والريبة السم من الريب، قال تعالي:{لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} أي يدل علي [دغل] * وقلة يقين منهم – انتهي كلامه. والريبة في الحديث من هذا؛ فإن الأمير إذا كان ذا دغل ودخل في قلبه من الرعية، ابتغى عيوبهم ويتهمهم بالمعايب فيتجسس أحوالهم ومفاسدهم؛ فإن الإنسان قلما سلم من عيب. قال:
ولست بمستبق أخا لا تلمه علي شعث أي الرجال المهذب
فلو عاملهم بكل ما قالوا وفعلوا لاشتدت عليهم الأحوال، بل ينبغي أن يستر عليهم عيوبهم ويعفو عنهم.
الحديث الخامس عشر عن معاوية: قوله: ((عورات الناس)) العورة الخلل، ومها أعور الفارس، إذا ظهر للقرن فيه موضوع ضربة وطعنة، وأعور المكان إذا ظهر موضوع خلل فيه. والأعور المختل العين، كنى في الحديث الأول عن العيوب بالريبة، وهنا بالعورة إيذانا بان عيوب الماس كعورات مستورات، فيحرم كشفها والريبة فيها كما يحرم كشف المخدرات عن سترها.
وإنما خص في هذا الحديث الخطاب بقوله:((إنك)) وعم في الحديث السابق بقوله: ((إن الأمير)) لئلا يتوهم أن النهي مختص بالأمير بل لكل من يتأتى منه اتباع العورات من الأمير وغيره. ولو قلنا: إن المخاطب معاوية علي إرادة أنه سيصير أميرا فيكون معجزة، لكان وجها، وينصر هذا الوجه الحديث الخامس في الفصل الثالث.