٣٧١٢ - وعن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاثة أخاف علي أمتي: الاستسقاء بالأنواء، وحيف السلطان، وتكذيب بالقدر)). [٣٧١٢]
ــ
لموجد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة؛ ولذلك قيل في الله تعالي: هو الحق، ولما يوجد بحسب مقتضى الحكمة؛ ولهذا يقال: فعل الله تعالي كله حق، وللاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، وللفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب كقولنا: فعلك حق وقولك حق. قال تعالي: {وكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} ويقال: أحققت كذا أي أثبته حقا أو حكمت بكونه حقا.
أقول: يمكن أن ينزل هذا الحديث علي أكثر هذه المعإني: احدها علي الفعل الحق والقول الحق، والمراد ب ((السابقون)) العادلون من الأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل)) يعني إذا نصحهم ناصح واظهر كلمة الحق العادلة قبلوها وفعلوا مقتضاها من البذل للرعية ومن الحكم بالسوية.
وثإنيها: علي الواجب للإنسان من الأعطيات يعني إذا ثبت له حق ثابت إذا أعطى قبل، ثم بذل للمستحقين لينال درجة الأسخياء والأصفياء، الذين ينفقون أموالهم سرا وعلإنية يرجون تجارة لن تبور. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ((خذه فتموله وتصدق به)) الحديث.
وثالثها: علي ما يوجد بحسب مقتضى الحكمة, وعليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((كلمة الحكمة ضالة الحكيم فحيث وجدها فهو أحق بها)) لأنه يعلمها ويعمل بها ويعلمها غيره, فعلمه بها هو القبول وتعليم الغير هو البذل, والعمل بها هو الحكم, ولعمري إن هذا الحديث من الكلمات التي هي ضالة كل حكيم, فالمراد بالسابقين علي الوجهين الاخيرين هم السابقون السابقون أولئك المقربون.
الحديث الثاني عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((بالأنواء)) ((نه)): الأنواء هي ثمان وعشرون منزلة ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها, ويسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة, وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطرا, وينسبونه إليها فيقولون مطرنا بنوء كذا, وإنما سمي نوءا؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب فالطالع بالشرق ينوء نواءا, أي ينهض ويطلع.
وقيل: أراد بالنوء الغروب, وهو من الأضداد, وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء؛ لأن العرب كانت تنسب المطر إليها, فأما من جعل المطر من فعل الله تعالي وأراد بقوله: ((مطرنا بنوء كذا)) أي في وقت كذا وهو هذا النوء الفلإني. فإن ذلك جائز, أي أن الله تعالي قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات.
٣٧١٣ - وعن أبي ذر, قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستة أيام اعقل يا أبا ذر! ما يقال لك بعد)). فلما كان اليوم السابع. قال: ((أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلإنيته, وإذا أسأت فأحسن, ولا تسألن أحدا شيئا وإن سقط سوطك, ولا تقبض أمانة, ولا تقض بين اثنين)). [٣٧١٣]
ــ
أقول: ولعله إنما خاف من هذه الخصال الثلاث؛ لأن من اعتقد أن الأسباب مستقلة, وترك النظر إلي المسبب وقع في شرك الشرك, ومن كذب بالقدر وقال: ((الأمر انف)) وقع حرف التعطيل, ومن افتتن بالسلطان الجائر تاه في تيه الضلال.