الفصل الثاني
٣٧٢٨ - عن عمرو بن مرة انه قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين, فاحتجب دون حاجتهم, وحلتهم, وفقرهم؛ احتجب الله دون حاجته, وخلته, وفقره)). فجعل معاوية رجلا علي حوائج الناس. رواه أبو داود, والترمذي. وفي رواية له ولأحمد: ((أغلق الله له أبواب السماء دون خلته, وحاجته, ومسكنته)). [٣٧٢٨]
ــ
الله ورسوله بتولي ما لا يستعده ومنعه عمن يستحقه, وعهود المسلمين, بالخروج علي إمامهم والتغلب علي نفوسهم وأموالهم.
((مح)): وفيه بيان غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلي خلق كثير, والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر, وغدره للأمانة التي قلدها لرعيته والتزام القيام بها والمحافظة عليها, فمتى خانهم أو ترك الشفقة عليهم والرفق بهم فقد غدر بعهده, ويحتمل أن يكون المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام, فلا يشق عليهم العصا, ولا يتعرض لما يخاف حصول فتنة بسببه, والصحيح الأول.
أقول: إذا جعل سياق الكلام للأمير وغدره, ويجعل الكلام السابق كالمقدمة والتمهيد لذكر غدر الإمام, كما يقتضيه هذا الباب كان ما قاله, والصحيح الأول مستقيما, وإذا جعل ذكر غدر الإمام كالاستطراد لا الأصالة لذكر الغدر العام كلن الاحتمال الثاني أرجح وهو الظاهر لعمومه فيدخل غدر الإمام فيه دخولا أوليا, ويؤيده الحديثان السابقان عليه وعلي هذا التفسير الإضافة في أمير عامة إضافة محضة, وعلي التفسير الثاني إضافة إلي الفاعل وهي غير محضة.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن عمرو: قوله: ((فاحتجب)) ((قض)): والمراد باحتجاب الوالي أن يمنع أرباب الحوائج والمهمات, أن يلجوا عليه فيعرضوها ويعسر عليهم إنهاؤها, واحتجاب الله تعالي أن لا يجيب دعوته ويخيب آماله. والفرق بين الحاجة والخلة والفقر, أن الحاجة ما يهتم به الإنسان وإن لم يبلغ حد الضرورة بحيث لو لم يحصل لاختل به أمره. والخلة ما كان كذلك, مأخوذ من الخلل, ولكن ربما لم يبلغ حد الاضطرار بحيث لو لم يوجد لامتنع التعيش, والفقر هو الاضطرار إلي ما لا يمكن التعيش دونه, مأخوذ من الفقار كأنه كسر فقاره؛ ولذلك فسر الفقير بالذي لا شيء له أصلا, واستعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفقر. ((مظ)): يعني من احتجب دون حاجة الناس وخلتهم فعل الله به يوم القيامة ما فعل بالمسلمين