٣٧٦٢ - وعن عائشة [رضي الله عنها] , قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أبغض الرجال إلي الله الألد الخصم)) متفق عليه.
٣٧٦٣ - وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد. رواه مسلم.
ــ
الإشارة بقوله: ((فمن قضيت له بشيء)) إلي أخره, يعني إن قضيت له يظاهر يخالف الباطن فهو حرام, فلا يأخذن ما قضيت له؛ لأنه اخذ ما يؤول به إلي قطعة من النار. فوضع المسبب – وهو قطعة من النار – موضع السبب وهو ما حكم به له.
الحديث الخامس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((الألد الخصم)) تو)): الألد الشديد الخصومة, والأصل في الألد الشديد اللديد, وهو صفحة العنق. وذلك لما لا يمكن صرفه عما يريده, والخصم المختص بالخصومة, فالأول منبئ عن الشدة, والثاني عن الكثرة. أقول: هذا إذا قيد الألد بالخصومة فرارا عن التكرار وإذا ترك علي أصله يكون المعنى أنه شديد في نفسه بليغ في خصومته, فلا يلزم التكرار, وعليه قوله تعالي: {وهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ} الكشاف: أي شديد الجدال. وإضافة ((الألد)) بمعنى ((في)) أو جعل الخصام ألد علي المبالغة.
الحديث السادس عن ابن عباس: قوله: ((بيمين وشاهد)) ((مظ)): يعني كان للمدعي شاهد واحد, فأمره رسول الله ص أن يحلف علي ما يدعيه بدلا من الشاهد الآخر, فلما حلف قضى واحد, فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ادعاه. وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يجوز الحكم بالشاهد واليمين, بل لابد من شاهدين, وخلافهم في الأموال. فأما إذا كانت الدعوى في غير الأموال, فلا يقبل شاهد ويمين بالاتفاق.
((تو)): وجه هذا الحديث عند من لا يرى القضاء باليمين والشاهد الواحد علي المدعي عليه, أنه يحتمل أن يكون قضى بيمين المدعى عليه بعد أن أقام المدعي شاهدا واحدا, وعجز عن أن يتم البينة وذلك لأن الصحابي لم يبين في حديثه صفة القضاء, وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما بطرق مرضية أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد, وهذه الرواية تقوي ذلك الاحتمال, فلا يترك مع وجود ذلك الاحتمال ما ورد به التنزيل, قال الله تعالي: {واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتَانِ} فلما ورد التوفيق بذلك, لم يروا أن يحكموا بأقل من ذلك إلا بدليل مقطوع به.