للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٧٨٩ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انتدب اله لمن خرج في سبيله

ــ

كتعلقه في قولك: قام بالأمر إذا جد فيه وتجلد له. فالمعنى القائم بما يجب عليه من استفراغ الجهد في معرفة كتاب الله، والامتثال بما أمر الله والانتهاء عما نهي الله، وأن يراد به طول القيام فيكون تابعا للقائم، أي المصلي الذي يطول قيامه في الصلاة وتكثر قراءته فيها، ويؤيد الوجه الثاني قوله: ((لا يفتر من صيام ولا صلاة)).

فإن قلت: فبم شبهت حال المجاهد بحال الصائم؟ قلت: في نيل الثواب الجزيل بكل حرمة وسكون في كل حين وأوان؛ لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة من ساعاته آناء الليل وأطراف النهار من صيامه وصلاته، شبه المجاهد الذي لا يضيع لمحة من لمحاته من أجر وثواب، سواء كان قائما أو نائما يقاتل العدو أم لا، وبالصائم القائم الذي لا يفتر عما هو فيه، فهو من التشبيه الذي المشبه به مفروض غير محقق، وهو من قوله تعالي: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ ولا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إلَاّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ (١٢٠) ولا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً ولا يَقْطَعُونَ وادِيًا إلَاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((انتدب الله)) ((نه)): أي أجابه إلي غفوانه، يقال: ندبته فانتدب، أي بغيته ودعوته فأجاب. ((تو)): وفي بعض طرقه ((تضمن الله)) وفي بعضها ((تكفل الله)) وكلاهما أشبه بنسق الكلام من قوله: ((انتدب الله)) وكل ذلك صحاح.

أقول: أراد أن قوله: ((أن أرجعه)) متعلق بـ ((انتدب)) بحذف الجار علي تضمين ((تكفل)) أي تكفل الله بأن يرجعه فأرجعه حكاية قول الله تعالي. ولعل ((انتدب)) أشبه وأبلغ؛ لأنه مسبوق بدعوة الداعي مثل صورة خروج المجاهد في سبيل الله بالدعي الذي يدعو الله ويندبه لنصرته علي أعداء الدين وقهره أحزاب الشياطين ونيل أجوره والفوز بالغنيمة علي الاستعارة التمثيلية. وكان المجاهد في سبيل الله الذي لا غرض له في جهاده سوى التقرب إلي الله تعالي، والإيمان به والتصديق برسله فيما أخبروا به، أنه قربة إلي الله تعالي ووصلة ينال بها الدرجات العلي، تعرض بجهاده لطلب النصر والمغفرة، فأجابه الله تعالي إلي بغيته، ووعد له إحدى الحسنيين: إما السلامة والرجوع بالأجر والغنيمة، وإما الوصول إلي الجنة والفوز بمرتبة الشهادة. وقوله: ((بما نال)) علي لفظ الماضي وأرد علي تحقق وعد الله تعالي وحصوله.

قوله: ((إلا إيمان بي)) بالرفع. ((مح)): ((إيمانا وتصديقا)) بالنصب في جميع نسخ مسلم علي أنه مفعول له، أي لا يخرجه مخرج ولا يحركه محرك إلا إيمانا وتصديقا. أقول: علي رواية

<<  <  ج: ص:  >  >>