للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين؛ ليس من الناس إلا في خير)) رواه مسلم.

ــ

هو فيه من المجاهدة في سبيل الله، وهو أنه عادته ودأبه ولا يهتم ولا يلتفت إلي غير ذلك. نحوه قول حاتم:

ولله صعلوك يساور همه ويمضي علي الأحداث والدهر مقدما

في طلبات لا يرى الخمص ترحة ولا شبعة إن نالها عد مغنما

إذا ما رأي يوما مكارم أعرضت تيمم كبراهن ثمت صمما

يرمي رمحه ونبله ومجنه وذا شطب غضب الضريبة مخذما

وأحناء سرج فاتر ولجامه عتاد أحيي هيجاء وطرفا مسوما

فذلك إن يهلك فحسن ثناؤه وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما

وعطف قوله: ((والموت)) علي ((القتل)) لما أريد به الأهوال والأفزاع في مواطن الحرب، كقول الحماسي:

لا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها

فتكون ((مظانه)) بدل اشتمال من الموت، كقوله تعالي: {واذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إذِ انتَبَذَتْ} أي اذكر وقت انتباذها، فيكون مفعولا به علي الاتساع كقوله ويوم شهدنا، ومظان الموت في الحديث بمنزلة غمرات الموت في البيت. وذهب الشارحون إلي أنه منصوب علي الظرفية من قوله: ((يبتغي)).

و ((هذه)) من قوله: ((من هذه الشعف)) و ((هذه الأودية)) للتحقير كما في قوله تعالي: {ومَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا} وقوله: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً} ومن ثمة صغر ((غنيمة)) وصفا لقناعة هذا الرجل بأنه سكن في أحقر مكان ويجتزئ بأدنى قوت، واعتزال الناس يكفهم شره عنهم، ويستكفي شرهم عنه، ويشتغل بعبادة ربه حتى يجيئه الموت. وعبر عن الموت باليقين ليكون نصب عينيه مزيدا للتسلي؛ فإن في ذكر هادم اللذات ما يعرضه عن أغراض الدنيا، ويشغله عن ملاذها بعبادة ربه حتى يحيه ألا ترى كيف سلي حبيبه صلوات الله عليه حين لقي ما لقي من

<<  <  ج: ص:  >  >>