٣٨٠٨ - وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يدخل الجنة، يحب أن يرجع إلي الدنيا وله ما في الأرض من شيء، إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلي الدنيا. فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة)) متفق عليه.
٣٨٠٤ - وعن مسروق، قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: {ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} الآية. قال:((إنا قد سألنا عن ذلك. فقال: ((أرواحهم في أجواف طير خضر، لها قناديل
ــ
خرج في قتال البغاة وقطاع الطريق، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك. قوله: ((وجرحه يثعب دما)) ((تو)): ثعبت الماء فجرته فانثعب، إضاف الفعل إلي الجرح؛ لأنه السبب في فجر الدم و ((دما)) يكون مفعولا. ولو أراد به التمييز لكان من حقه أن يقول: ينبعث دما أو يثعب، علي بناء المجهول، ولم أجده رواية.
أقول: مجيئه متعديا نقل عن الجوهري. وظاهر كلام صاحب النهاية أنه لازم حيث فسره بقوله:((يجري)) ولأنه جاء في حديث آخر: ((وجرحه تشخب دما)) والشخب السيلان وقد شخب يشخب، فحينئذ يكون من قوله تعالي:{وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} فإن الظاهر أن يقال: إن الدمع تفيض من العين، فجعل العين فائضة مبالغة، كذلك الدم السائل من الجرح لا الجرح سائل. ((مح)): فيه دليل علي أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولا بغيره، والحكمة فيه أنه يجيء يوم القيامة علي هيأته ليكون معه شاهدا.
الحديث السابع عشر والثامن عشر عن مسروق: قوله: (إنا قد سألنا عن ذلك فقال)) ((مح)): الحديث مرفوع؛ لقوله:((إنا قد سألنا عن ذلك فقال)) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (قض)): المسئول والمجيب هو الرسول صلوات الله عليه، وفي ((فقال)) ضمير له، ويدل عليه قرينة الحال؛ فإن ظاهر حال الصحابي أن يكون سؤاله واستكشافه من الرسول صلى الله عليه وسلم، لا سيما في تأويل آية هي من المتشابهات وما هو من أحوال المعاد؛ فإنه غيب صرف لا يمكن معرفته إلا بالوحي؛ ولكونه بهذه المثابة من التعين أضمر من غير أن يسبق ذكره.
وقوله:((أرواحهم في أجواف طير خضر)) أي يخلق لأرواحهم بعد ما فارقت أبدانهم هياكل علي تلك الهيئة تتعلق بها، وتكون خلفا عن أبدانهم فيتوسلون بها إلي نيل ما يشتهون من اللذائذ الحسية. واطلاع الله عليهم واستفهامه عما يشتهونه مرة بعد أخرى مجاز عن مزيد تلطفه بهم، وتضاعف تفضله عليهم. وإنما قال:((اطلاعة)) ليدل علي أنه ليس من جنس اطلاعننا علي