معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلي تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شيءنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركزا من أن يسألوا. قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأي أن ليس لهم حاجة تركوا)) رواه مسلم.
ــ
الأشياء وعداه بـ ((إلي)) وحقه أن يعدى بـ ((علي)) لتضمنه معنى الانتهاء. والمراد بقوله:(٠فلما رأوا أنهم لم يتركوا)) إلي آخره، أنه لا يبقى لهم متمنى ولا مطلوب أصلا غير أن يرجعوا إلي الدنيا، فيستشهدوا ثإنيا؛ لما رأوا بسببه من الشرف والكرامة هذا.
وإن الحديث تمثيل لحالهم وما هم عليه من البهجة والسعادة، وشبه لطافتهم وبهاءهم وتمكنهم من التلذذ من أنواع المشتهيات والتبوء من الجنة حيث شاءوا، وقربهم من الله تعالي وانخراطهم في غمار الملأ الأعلي الذين هم حول عرش الرحمن، بما إذا كانوا في أجواب طير خضر تسرح إلي الجنة حيث شاء، وتأوي إلي قناديل معلقة بالعرش. وشبه حالهم في استجماع اللذائذ وحصول جميع المطالب، بحال من يبالغ ويشدد عيه ربه المتفضل المشفق عليه غاية التفضل والإشفاق، القادر علي جميع الأشياء، بأن يسأل منه مطلوبا ويكرر عليه مرة بعد أخرى، بحيث لا يرى بدا من السؤال فمل ير شيئا ليس له أن يسأله إلا أن يرد إلي الدنيا، فيقتل في سبيل اله مرة أخرى. والعلم عند الله تعالي.
((مح)): قال القاضي عياض: واختلفوا فيه قيل: ليس للأقيسة والعقول في هذا حكم، فإذا أراد الله أن يجعل الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو جوف طير خضر، أو حيث شاء كان ذلك ووقع، ولم يبعد لا سيما مع القول بأن الأرواح أجسام فغير مستحيل أن يصور جزء من الإنسان طائرا، أو يجعل في جوف طائر في قناديل تحت العرش. وقد اختلفوا في الروح فقال كثير من أرباب المعإني وعلم الباطن والمتكلمين: لا يعرف حقيقته ولا يصح وصفه وهو مما جهل العباد علمه. واستدلوا بقوله تعالي:{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}. وقال كثيرون من شيوخنا: هو الحياة. وقال آخرون: هو أجسام لطيفة مشابكة للجسم تحيى بحياته، وأجرى الله تعالي العادة بموت الجسم عند فراقه؛ ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم. قال الشيخ: هذا هو المختار.
وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلين بالتناسخ وانتقال الأرواح، وتنعيمها في صور