٣٨١٩ - عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون علي الحق، ظاهرين علي من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال)). رواه أبو داود. [٣٨١٩]
ــ
مكة وأسلموا، استغنى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك إذ كان معظم خوف المؤمنين من أهل مكة، فلما أسلموا أمكن المسلمين أن يقروا في قعر دارهم، فقيل لهم: أقيموا في أوطانكم وقروا علي نية الجهاد.
أقول: تقتضي ((لكن)) مخالفة ما بعدها لما قبلها، فالمعنى أن مقارقة الأوطان لله ورسوله التي هي الهجرة المعتبرة الفاضلة المميزة لأهلها من سائر الناس امتيازا ظاهرا انقطعت، لكن المفارقة من الأوطان بسبب نية خالصة لله تعالي، كطلب العلم والفرار بدينه من دار الكفر، أو مما لا يقام فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزيارة بين الله وحرم رسوله والمسجد الأقصى وغيرها، أو بسبب الجهاد في سبيل الله باقية مدى الدهر.
((مح)): معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة، لكن حصوله بالجهاد والنية الصالحة. وفيه حث علي نية الخير وأنه يثاب عليها. ((وإذا استنفرتم)) معناه إذا طلبكم الإمام للخروج إلي الجهاد فاخرجوا. وهذا دليل علي أن الجهاد ليس فرض عين بل هو فرض كفاية، إذا فعله من يحصل بهم الكفاية سقط الخروج * عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا أجمعون. قال أصحابنا: الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين، فيتعين عليهم الجهاد، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية، وجب علي من يليهم تتميم الكفاية.
أقول: وقد خص الاستنفار بالجهاد، ويمكن أن يحمل علي العموم أيضا أي إذا استنفرتم إلي الجهاد فانفرا، وإذا استنفرتم إلي طلب العلم وشبهه فانفروا؛ قال تعالي:{فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ} أي هلا نفروا حين استنفروا.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن عمران: قوله: ((ظاهرين علي من ناوأهم)) ((تو)): أي غالبين علي من عاداهم، والمناوأة المعاداة، والأصل فيه الهمز؛ لأنه من النوء وهو النهوض. وربما ترك همزه، وإنما استعمل ذلك في المعاداة؛ لأن كل واحد من المتعاديين ينهض إلي قتال صاحبه انتهي كلامه. وقد سبق في الفصل الأول أن تنزيل أمثال هذا الحديث علي الطائقة المنصورة من أهل الشام أولي وأحرى.