للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٨٢٩ - وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)). رواه الترمذي. [٣٨٢٩]

ــ

يمارس نفسا بين جنبيه كزة إذا هم بالمعروف قالت له مهلا

وقد أضيف إلي النفس لأنه غريزة فيها، وأما البخل فهو المنع نفسه.

أقول: فإذن البخل أعم؛ لأنه قد يوجد البخل ولا شح ثمة ولا ينعكس، وعليه ما ورد في شرح السنة: جاء رجل إلي ابن مسعود قال: إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: اسمع الله يقول: {ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} وأنا رجل شحيح لا يكاد أن يخرج من يدي شيء فقال ابن مسعود: ليس ذاك بالشح الذي ذكر الله، إنما الشح أن تأكل مال أخيك ظلما، ولكن ذلك البخل وبئس السيء * البخل.

وقال ابن جبير: الشح إدخال الحرام ومنع الزكاة، فظهر من هذا أن البخل هو مطلق المنع، والشح المنع مع الظلم مطلقا من أكل مال الغير ومنع الزكاة، وهو معنى ** الكز في تفسير الكشاف. والكزازة الانقباض واليبس؛ لأن المنع إذا انضم إلي الكزازة والحرص حمل الإنسان علي رذائل الأخلاق، بخلاف المنع مطلقا، روينا عن مسلم عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم أن يسفكوا دماءهم ويستحلوا محارمهم)).

واعلم أن حقيقة الإنسان علي ما أشار إليه شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي: عبارة عن روح ونفس وقلب. وإنما سمي القلب قلبا؛ لأنه تارة يميل إلي الروح ويتصف بصفتها فيتنور ويفلح، وأخرى إلي النفس فيصير مظلما، فإذا اتصف بصفة الروح تنور وكان مقرا للإيمان والعمل الصالح ففاز وأفلح. قال تعالي: {أُولَئِكَ عَلي هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}. وإذا اتصف بصفة النفس أظلم، وكان مقرا للشح الهالع فخاب وخسر ولم يفلح، قال تعالي: {ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} فأنى يجتمعان في قلب واحد.

الحديث العاشر عن ابن عباس: قوله: ((عين بكت من خشية الله)) كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه، كقوله تعالي: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم، فحصلت النسبة بين العينين: عين مجاهدة مع النفس والشيطان، وعين مجاهدة مع الكفار. والخوف والخشية مترادفان. قال الشيخ أبو حامد في الإحياء: الخوف سوط الله تعالي يسوق به عباده إلي المواظبة علي العلم والعمل؛ لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>