٣٧٤٣ - وعن أبي أيوب، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((ستفتح عيكم الأمصار، وستكون جنود مجندة، يقطع عليكم فيها بعوث، فيكره الرجل البعث، فيتخلص من قومه، ثم يتصفح القبائل يعرض نفسه عليهم، من أكفيه بعث كذا ألا وذلك الأجير إلي آخر قطرة من دمه)) رواه أبو داود. [٣٨٤٣]
ــ
الحديث الرابع والعشرون عن أبي أيوب: قوله: ((ستفتح عليكم)) ((مظ)): يعني إذا بلغ الإسلام في كل ناحية، يحتاج الإمام إلي أن يرسل في كل ناحية جيشا؛ ليحارب من يلي تلك الناحية من الكفار؛ لئلا يغلب كفار تلك الناحية علي من في تلك الناحية من المسلمين. أقول: ذهب إلي أن كونهم جنودا مجندة بعد فتح البلاد لهم، والأوجه أن تكون الجنود مبعوثين لفتح البلاد نفسها، فيجب أن يضمن ((فتح)) معنى ((وقل وأطلع))؛ لتعديته بـ ((علي)) كقوله تعالي: {بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي أطلعكم ووفقكم. أخبر صلى الله عليه وسلم بأنهم سيوقفون فيطلعون علي فتح الأمصار لهم، وكذا أخبر بأنهم سيكونون جنودا مجندة، فحينئذ لا يفتقر أن يقال: إن البعث كان قبل الفتح، وذلك أصعب عليهم من أن يكون بعد الفتح. قوله:((جنود مجندة)) ((نه)): أي مجموعة كما يقال: ألوف مؤلفة وقناطر مقنطرة.
قوله:((يقطع عليكم فيها بعوث)) أي يقدر عليكم في تلك الجنود جيوش، بمعنى تلزمون أن تخرجوا بعوثا تنبعث من كل قوم إلي الجهاد. ((فيتخلص)) أي يخرج منهم طالبا لخلاصه من أن يبعث، ثم يتصفح القبائل أي يتفحص عنها، ويتأمل فيها من أكفيه بعث كذا أي من يعطيني أو يشترط لي شيئا فأبتعث بدله وأكفيه البعث.
وقوله:((يعرض عليهم)) بدل من قوله: ((يتصفح)) ويجوز أن تكون الجملة في محل النصب علي الحال من الضمير المرفوع في ((يتصفح)). وكذا ((من)) يجوز أن تكون حالا من المستتر في ((عارضا)) أي قائلا لهم من أكفيه. وقوله:((ألا وذلك الأجير)) إشارة إلي ذلك الرجل الذي يكره البعث في سبيل الله، بل يرغب فيه للأغراض الدنيوية. و ((ذلك)) مبتدأ و ((الأجير)) خبره وهو معرفة يدل علي الحصر. وفي اسم الإشارة إشعار بأن ما بعده جدير بمن قبله؛ لاتصافه بالصفة المذكروة، كما في قوله تعالي: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولَئِكَ عَلي هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}.
ثم في الحصر وجهان: أحدهما: أن يكون تخصيصا للصفة بالموصوف، أي ليس الأجير إلا هذا فيلزم منه أن يكون المجعول في الحديث السابق هذا الأجير، وهذا هو الذي وجهه