للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ونبهه أجر كله. وأما من غزا فخرا، ورياء، وسمعة وعصى الإمام، وأفسد في الأرض؛ فإنه لم برجع بالكفاف)). رواه مالك، وأبو داود، والنسائي. [٣٨٤٦]

ــ

وشرح حالهم وبيان أحكامهم عن ذكر القسمين، وشرح كل واحد منهما مفصلا. قوله: ((وأطاع الإمام)) أي في غزوه فأتى به علي نحو ما أمره. و ((أنفق الكريمة)) أي المختارة من ماله. وقيل: نفسه، و (ياسر الشريك)) أي ساهل الرفيق، واستعمل اليسر معه نفعا بالمعونة وكفاية للمؤنة.

((واجتنب الفساد)) أي لم يتجاوز المشروع في القتل والنهب والتخريب. ((فإن نومه ونبهه)) – أي يقظته – ((أجر كله)) أي ذو أجر وثواب. والمعنى أن من كان هذا شأنه كان جميع حالاته من الحركة والسكون، والاستراحة والانتباه مقتضية للأجر، جالبة للثواب، وأن من حاله علي خلاف ذلك لم يرجع بالكفاف، أي الثواب، مأخوذ من كفاف الشيء وهو خياره، أو من الرزق أي لم يرجع بخير أو ثواب يغنيه يوم القيامة.

أقول: قوله: ((أجر كله)) جملة ((كله)) مبتدأ و ((أجر)) خبره. ولا يصح أن يكون كله تأكيد لـ ((أجر)) علي ما لا يخفي. والمعنى كل من ذلك أجر. وهذا التركيب مشعر باهتمام حمل الأجر علي النوم، و ((النبه)) مبالغة في بيان كونهما سببين مستقلين غاية الاستقلال. ((مظ)): ((لم يرجع بالكفاف)) أي لم يعد من الغزو رأسا برأس بحيث لا يكون له أجر ولا عليه وزر بل وزره أكثر؛ لأنه لم يغز لله، وأفسد في الأرض يقال: دعني كفافا أي تكف عني وأكف عنك. أقول: الوجه ما قاله القاضي؛ لأن الكفاف علي هذا المعنى يقتضي أن يكون له ثواب أيضا وإثم، ويزيد إثمه علي ثوابه، كما قال عمر رضي الله عنه: وددت إني سلمت من الخلافة كفافا، لا علي ولا لي. والمرائي المفسد ليس له ثواب ألبتة.

قال الشيخ أبو حامد في الإحياء: المرائي الذي لا يبتغي وجه الله بل يعمل فخرا ورياء وسمعة تبطل عبادته؛ لأن الأعمال بالنيات، وهذا ليس يقصد العبادة. ثم لا يقتصر علي إحباط عبادته حتى يقول: صار كما كان قبل العبادة بل يعصي بذلك ويأثم. ((شف)): ولا بد في قوله: ((فأما من ابتغى وجه الله)) وفي قوله: ((وأما من غزا)) من إضمار مضاف تقديره، فأما غزو من ابتغى، وأما غزو من غزا فإنهما قسمان لمورد القسمة.

أقول: ولا يستتب علي هذا التقدير إجراء الخبر علي المبتدأ، فينبغي أن يقدر: الغزو غزوان غزو من ابتغى وجه الله، وغزو من لم يبتغ. فأما من ابتغى وجه الله فحكمه كذا، وأما من غزا فخرا فحكمه كذا. فيكون مع باب الجمع مع التفريق والتقسيم، كقوله تعالي: {يَوْمَ يَأْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>