فما زلت أرميهم، وأعقر بهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، ثم ابتعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا، يستخفون، ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فقلته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة)). قال: ثم أعطإني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس وسهم
ــ
قوله:((اليوم يوم الرضع)) ((مح)): أي يوم هلاك اللئام من قولهم: لئيم راضع أي راضع اللؤم في بطن أمه. وقيل: لأنه يمص حلمة الشاء والناقة لئلا يسمع السؤال والضيفان صوت الحلاب فيقصدوه. وقيل: اليوم يعرف من أرضعته كريمة فأشجعته، أو لئيمة فأجبنته. وقيل: معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها ويعرف غيره.
قوله:((وأعقر بهم)) ((نه)): أي اقتل مركوبهم، يقال: عقرت به إذا قتلت مركوبه وجعلته راجلا. أقول: يريد أنه كناية عن جعل الفارس راجلا؛ لأنه إذا أعقر دابته وهو عليها سقط منها، فيبقى راجلا والباء في ((بها)) مثلها في قول الشاعر:
تدوس بنا الجماجم والتريبا
قوله:((من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم)) بيان قوله: ((من بعير)) و ((من)) فيه زائدة تفخيما لشأنها؛ ولذلك قال:((خلق الله)) كأنه أخذته العزة والحمية علي أن يغير أولئك اللئام أمثال هذه الشرائف، ألا ترى كيف ارتجز بقوله:((اليوم يوم الرضع)) وكرر اليوم في الخبر أي يوم له شأن. يوم يظهر لمن أرضعته الحرب شجاعنه.
قوله:((آراما)) ((نه)): الآرام الأعلام وهي الحجارة تجمع وتنصب في المفازة يهتدى بها، واحدها إرم كعنب، وكان من عادة الجاهلية إذا وجدوا شيئا في طريقهم لا يمكنهم استصحابه، تركوا عليه حجارة يعرفونه بها حتى إذا عادوا أخذوه.
قوله:((سهم الفارس وسهم الراجل)) ((نه)): يشبه أن يكون إنما أعطاه من الغنيمة سهم الراجل فحسب؛ لأن سلمة كان راجلا في ذلك اليوم وأعطاه الزيادة نفلا لما كان من حسن بلائه.
((مح)): فيه فضيلة الشجاعة ومنقبة لسلمة وأبي قتادة، وجواز الثناء علي من فعل جميلا،