لكان في أمتي من يصنع ذلك. وإن بني إسرائيل تفرقت ثنتين وسبعين ملة, وتفرق أمتي على ثلاث وسبعين ملة, كلهم في النار إلا ملة واحدة)). قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)) رواه الترمذي [١٧١].
ــ
المراد أمة الدعوة فله وجه, وحينئذ يتناول أصناف أهل الكفر. والملة في الأصل ما شرع الله تعالى لعباده على ألسنة الأنبياء, ليتوصلوا به إلى جوار الله, ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها, ثم اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة, فقيل: الكفر كله ملة واحدة. والمعنى أنهم يفترقون فرقا يتدين كل واحد منها بخلاف ما تتدين به الأخرى, فسمى طريقتهم ملة مجازا.
وإذا حمل الملة على أهل القبلة فمعنى قوله: ((كلهم في النار)) أنهم متعرضون لما يدخلهم النار من الأفعال الردية.
أو المعنى أنهم يدخلونها بذنوبهم, ثم يخرج منها من لم تفض به بدعته إلى الكفر برحمته, و ((إلا ملة واحدة)) أي أهل ملة واحدة, وكشف بقوله: ((ما أنا عليه وأصحابي)) عما سألوه بقولهم: (من هي))؛ لأن سرت في عروقهم ومفاصلهم, و ((يتجارى)) أكثر ما يستعمل في الحديث لأن كل واحد منها يجري مع صاحبه. و ((الأهواء)) جمع هوى, وهو الميل إلى ماتشتهي النفس, ويقال: سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى الداهية, وفي الآخرة إلى الهاوية. وإنما جمعها إيذانا باختلاف أهوائهم وآرائهم, ويسلك كل منهم من الحيرة والضلال فجا غير فج الآخر. والكلب داء يعتري الإنسان من عضة الكلب, وهو داء يأخذه شبه الجنون فيكلب بلحوم الناس, فإذا عض إنسانا كلب ويستولي عليه شبه الماليخوليا.
((مظ)): ((حذو النعل بالنعل)) جعل الشيء مثل شيء آخر, وهو منصوب على المصدر, بعني أفعال بعض أمتي في القبح مثل أفعال بني إسرائيل. أقول: ذهب إلى أن فاعل ((ليأتين)) مقدر, يدل عليه سياق الكلام, والكاف منصوب على المصدر, وذهب الأشرفي إلى أنه فاعل, وقدر المعنى أنه عليهم مثل ما أتى على بني إسرائيل. وقال: ولعل المراد ب ((الأم)) زوجة الأب’ والتقييد بالعلانية لبيان وقاحته, وصفاقة وجهه.
قوله: ((لكان في أمتي)) اللام فيه جواب ((إن)) على تأويل ((لو)) كما أن ((لو)) تأتي بمعنى ((إن)) و ((حتى)) هي الداخلة على الجملة الشرطية. وقوله: ((ما أنا عليه وأصحابي)) روى محيي السنة عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله: ((إن الله تعالى نظر في قلوب العباد, فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم,