١٧٢ - وفي رواية أحمد, وأبي داود, عن معاوية: ((ثنتان وسبعون في النار, وواحدة في الجنة, وهي الجماعة, وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه, لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)) [١٧٢].
ــ
فبعثه برسالته، وانتخبه بعلمه, ثم نظر في قلوب الناس, فاختار له أصحابا, فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه, فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن, وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح)).
((حس)): ((الجماعة)) عند أهل العلم أهل الفقه والعلم. قال شريح: إن السنة قد سبقت قياسكم, فاتبع ولاتبتدع, فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر. وقال الشعبي: إنما الرأي بمنزلة الميتة إذا احتجت إليها أكلتها, قال سفيان في تفسير الجماعة: لو أن فقيها على رأس الجبل لكان هو الجماعة.
قوله في رواية معاوية: واحدة في الحنة)) ((مظ)): إنه متصل بقوله: ((كلهم في النار)) وقدر كلهم وواحدة في الجنة. وفيه نظر, لأنه إذا أريد بكلهم ثلاث وسبعون ملة كيف يعطف عليه ((وواحدة))؟ والرواية الصحيحة في سنن أبي داود: ((إن هذه الأمة ستفرق على ثلاث وسبعين, ثنتان وسبعون في النار, وواحدة في الجنة, وهي الجماعة)) أقول: قوله: ((وإن بني إسرائيل)) صرح به بعد أن ذكره تقبيحا لصنيعهم, وأن ذلك دأبهم وعادتهم, و ((إن)) في قوله: ((إن منهم)) مكسورة في جامع الأصول, وهي شرطية, و ((لكان)) جواب قسم محذوف, وهو جزاء الشرط. وفي قوله: ((على ثلاث وسبعين ملة)) إشارة إلى أنهم ساووا بني إسرائيل في تلك الأحوال القبيحة, وزادوا في ارتكاب البدع بدرجة.
وقوله: ((ماأنا عليه وأصحابي)) الظاهر أن يقال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي, لأنه جواب عن قولهم: ((من هي؟)) فعدل إلى ((ما)) , وأراد بها الوصفية, أي هم المهتدون المتمسكون بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي, كقوله تعالى: {ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا} أي القادر العظيم الشأن سواها. والواو في ((وهي الجماعة)) كما هي في قوله تعالى {وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ} دخلت على الجملة المثبة, و ((تلك الأهواء)) إشارة إلى ما يتضمن نعنى ثنتين وسبعين ملة من هذه الأمة غير الأمة [المحققة] *, ووضع الأهواء موضوع البدع وضعا للسبب موضوع المسبب, لأن هوى الرجل هو الذي يحمله على إبداع ذلك الرأي الفاسد.
وأما تقرير التشبيه فهو أنه صلى الله عليه وسلم شبه حال الزائغين من أهل البدع في استيلاء تلك الأهواء