٣ - ورواه أبو هريرة مع اختلاف، وفيه: (وإذا رأيت الحفاة العُراة الصمَّ البكمَ،
ملوك الأرض في خمس لا يعلمهن إلا الله. ثم قرأ: (إن الله عنده علم الساعة وينزلُ
الغيث) الآية متفق عليه
ــ
قوله: (الصم البكم) كانت حواسهم سليمة، ولكن جعلوا لبلادتهم وعدم تمييزهم كأنه
أصيبت مشاعرهم. قوله: (في خمس) أي علم وقت الساعة داخلة في جملة خمس، وحذف
متعلق الجار سائغ شائع، كما في قوله (تعالى): (تسع أيات) أي أذهب إلى فرعون في شأن
تسع أيات، ويجوز أن يتعلق ب (أعلم) يعنى ما المسئول عنها بأعلم فى خمس أي في علم
الخمس، فكما عم في المسئول عنه أولا عم في المسئول ثانياً، أي لا ينبغي لأحد أن يسأل أحداً
في علم الخمس؛ لأن العلم بها مختص بالله (تعالى). وفيه إشارة إلى إبطال الكهانة والنجامة
وما شاكلها. قال لبيد:
لعمرك ما تدرى الضوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وإدشاد للأمة وتحذير لهم عن إتيان من يدعى علم الغيب، فإذا الجواب من (الأسلوب
الحكيم). أجاب عن سؤاله في ضمن أشياء مهمة لا بد من بيانها (إرشادا) للأمة وتنبيها
للمعلم عليها. كأنه قيل: سؤالك هذا يقتضي أن لا يقتصر على جواب واحد، بل يجاب مع
هذه الأمور المهمة، فإن اهتمامها كاهتمامه. أو يقال: كان يجب عليك أيها المعلم أن لا تقتصر
على سؤال واحد بل تسأل عن هذه الأشياء المهمة.
فإن قيل: أليس إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن أمارات الساعة من قبيل قوله: (وما تدرى نفس ماذا تكسب
غدا)؟ قلت: إذا أظهر بعض المرتضين من عباده بعض ما كوشف له من الغيوب لمصلحة ما
لا يكون إخباراً بالغيب بل يكون تبليغا له، قال الله تعالى: (ولا يظهر على غيبه أحدا إلا من
ارتضى من رسول)
فإن قلت: كيف يطابق تفسير سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - الآية بقوله: (في خمس لا يعلمهن إلا الله)
وليس في الآية أداة الحصر كما في الحديث؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: أن يكون (علم
الساعة) فاعلا للظرف؛ لاعتماده على اسم إن، ويعطف (وينزل الغيث) عن الغير، أي يعلم
الظرف وفاعله على تأويل الجملتين المنفيتين بإثبات ما نفى فيهما لله (تعالى) عن الغير، أي يعلم
ماذا تكسب كل نفس غداً، ويعلم أن كل نفس بأي أرض تموت. قال أبو البقاء: هذا العطف
ــ