يدل على قوة شبه الظرف بالفعل. وقال صاحب الكشاف: جاء بالظرف وما أرتفع به ثم قال:
(وينزل الغيث) فعطف الجملة على الجملة، ومثله قوله (تعالى): (نسقيكم مما في (بطونها) ولكم
فيها منافع) فصدر بالفعل والفاعل، ثم عطف بالظرف، وما ارتفع به.
وإذا تقرر هذا فنقول: إذا كان الفعل عظيم الخطر، وما بنى عليه الفعل علي القدر رفيع
الشأن فهم منه الحصر على سبيل الكناية. وفي (الكشاف) في قوله (تعالى): (الله نزل أحسن
الحديث) الآية: وإيقاع اسم الله مبتدأ وما نزل عليه من تفخيم لأحسن الحديث ورفع منه،
يصدر إلا عنه، وقال الله (تعالى): (الله يبسط الرزق لمن يشاء) [وقال في قوله تعالى:
(الله يبسط الرزق)] في الرعد الله وحده هو يبسط الرزق ويقدر، دون غيره.
فإن قلت: إذا عطف (وينزل) على الجملة كيف دل على العلم؟ قلت: إذا نفى إنزال الغيث عما كانوا ينسبون إليه من طلوع الأنواء اختص بالله (تعالى) فيلزم منه اختصاص علم الله (تعالى).
وثانيهما: أن يذهب إلى أن الظرف خبر مقدم على المبتدأ لإفادة الحصر، ويعطف (ينزل) على المضاف إليه، يعني عنده علم الساعة، وعلم تنزيل الغيث على تقدير: أن ينزل، فحذف (أن) فارتفع الفعل، نحو قوله: أحضر الوغى، ويعطف (ويعلم مافي الأرحام) وما بعده على المضاف، أي إن الله عنده علم مافي الأرحام، وعلم ماذا تكسب كل نفس غدًا، على التقدير المذكور.
فإن قلت: فأي نكتة دعت إلى العدول عن المثبت إلى المنفي في قوله: (وماتدري نفس) وما فائدة تكرير نفس تنكيرها، وإيثار الدارية على العلم؟ فإنها إدراك الشيء بالحيلة. قلت: إذا نفيت الدراية لما فيها من معنى الحيلة في اكتساب العلم من كل نفس على سبيل الاستغراق لوقوع النكرة في سياق النفي- أفاد أن كل نفس منفوسة من الإنسان وغيره إذا أعملت حيلها في معرفة ما يختص ويلصق بها، ولا شيء أخص من الإنسان من كسب نفسه وعاقية أمره، ولا يقف على شيء من ذلك، فكيف يقف على ما هو أبعد وأبعد، خصوصًا من معرفة وقت الساعة، وأيان إنزال الغيث، ومعرفة ما في الأرحام. والفائدة في بيان الأمارات هي أن يتأهب الملكف المسير إلى المعاد بزاد التقوى.
ولما اشتمل هذا الحديث على هذه المطالب العزيزة، والمقاصد السنية التي هي أمهات أصول الدين - أودعه محيي السنة في مستهل باب كتابيه: شرح السنة، والمصابيح؛ تأسيّا بالله (عز