فلم يزده إلا استطلاقاً. فقال له: ثلاث مرات. ثم جاء الرابعة. فقال:((اسقه عسلاً)). فقال: لقد سقيته، فلم يزده إلا استطلاقاً)). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((صدق الله، وكذب بطن أخيك))، فسقاه. فبرأ. متفق عليه.
ــ
الإسهال. ((خط)): هذا مما يحسب كثير من الناس أنه مخالف لمذهب الطب والعلاج؛ وذلك أن الرجل إنما جاء يشكو إليه استطلاق البطن، فكيف يصف له العسل وهو يطلق؟، ومن عرف شيئاً من أصول الطب ومعانيه علم صواب هذا التدبير؛ وذلك أن استطلاق بطن هذا الرجل إنما كان هيضة حدثت من الامتلاء وسوء الهضم، والأطباء كلهم يأمرون صاحب الهيضة بأن يترك الطبيعة وسوقها لا يمسكها [بشيء] وربما أمدت بقوة مسهلة، حتى تستفرغ تلك الفضول، فإذا فرغت تلك الأوعية من تلك الفضول، فربما أمسكت من ذاتها، وربما عولجت بالأشياء القابضة والمقوية، إذا خافوا سقوط القوة، فخرج الأمر في هذا على مذهب الطب مستقيما؛ حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يمد الطبيعة بالعسل؛ ليزداد استفراغاً حتى إذا فزعت تلك الفضول وتنقت منها وقفت وأمسكت، وقد يكون ذلك أيضاً من ناحية التبرك تصديقاً لقوله تعالى {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ}، وما يصفه النبي صلى الله عليه وسلم من الدواء لشخص بعينه، فقد يكون ذلك بدعائه وبركته وحسن أثره، ولا يكون ذلك حكما في الأعيان كلها، فعلى هذا المذهب يجب حمل ما لا يخرج على مذهب الطب القياسي، وإليه يجب توجيهه، وكذا في معالم السنن.
وقال في قوله:((وكذب بطن أخيك)): العرب تضع الكذب موضع الخطأ في كلامها، يقول: كذب سمعي وكذب بصري، أي زل ولم يدرك ما رأي، وما سمع ولم يحط به.
قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ليس الظلام من الرباب خيالا
ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:((كذب بطن أخيك)) يعني صدق الله في قوله بأن العسل شفاء للناس، وكذب بطن أخيك حيث لم يحصل له الشفاء بالعسل.
((مح)): هذا تصريح بأن الضمير في قوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} يعود إلى ((الشراب)) الذي هو العسل. وهو قول ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم. قال مجاهد: الضمير راجع إلى القرآن، وهو ضعيف مخالف لظاهر القرآن. وتصريح هذا الحديث والآية على الخصوص، أي شفاء من بعض الداء أو لبعض الناس، وفي التنكير دلالة عليه.