للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فيح جهنم، فابردوها بالماء)). متفق عليه.

ــ

مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ} هي إما ابتدائية، أي الحمى نشأت وحصلت من فيح جهنم، أو تبعيضية، أي بعض منها. ويدل على هذا التأويل ما ورد في الصحيح: ((اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف)) الحديث. فكما أن حرارة الصيف أثر من فيحها كذلك الحمى.

قوله: ((فابردوها)) ((مح)): هو بهمزة وصل وبضم الراء كما جاء في الرواية الأخرى: ((فاطفئوها بالماء)) وهو الصحيح المشهور في الروايات. وحكى القاضي عياض أنه يقال بهمزة قطع وكسر الراء في لغة. قال الجوهري: هي لغة رديئة.

[((مظ))]: هذا مما قد غلط فيه بعض من ينسب إلى العلم فانغمس في الماء لما أصابته الحمى، فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه، فأصابته علة صعبة كاد يهلك فيها، فلما خرج من علته قال قولا فاحشاً لا يحسن ذكره. وذلك لجهله بمعنى الحديث وذهابه عنه. وتبريد الحمى الصفراوية بسقي الماء الصادق البرد، ووضع أطراف المحموم فيه من أنفع العلاج، وأسرعه إلى إطفاء نارها وكسر لهيبها، فإنما أمرنا بإطفاء الحمى وتبريدها بالماء على هذا الوجه، دون الانغماس في الماء وغط الرأس فيه.

((مح)): ((أبردوها بالماء)) ليس فيه ما يبين صفته وحالته، والأطباء يسلمون أن الحمى الصفراوية يدبر صاحبها بسقي الماء البارد الشديد بالبرودة، ويسقونه الثلج، ويغسلون أطرافه بالماء البارد، فلا يبعد أنه صلى الله عليه وسلم أراد هذا النوع من الحمى والغسل، نحو ما قالوه.

وقد ذكر مسلم هنا في صحيحه عن أسماء: أنها تؤتى بالمرأة الموعوكة فيصب الماء في جيبها، وتقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أبردوها بالماء))، فهذه أسماء راوية الحديث، وقربها من النبي صلى الله عليه وسلم معلوم، تؤول الحديث على نحو ما قلناه، فلم يبق للملحد المعترض إلا اختراعه الكذب.

أقول: أما ما رويناه عن الترمذي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصاب أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار، فليطفئها عنه بالماء، فلستنقع في نهر جار، وليستقبل جريته فيقول: ((بسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك)) إلى قوله: ((فإنها لا تكاد تجاوز تسعاً بإذن الله عز وجل)). والحديث بتمامه مذكور في باب صلاة الجنائز، فشيء خارج عن قواعد الطبيعة، داخل في قسم المعجزات الخارقة للعادة. ألا ترى كيف قال في صدر الحديث ((صدق رسولك)) وفي آخره ((بإذن الله))، وقد شوهد وجرب ووجد، كما نطق به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وعلى من اقتفي أثره.

<<  <  ج: ص:  >  >>