الفصل الثالث
١٨٤ - عن معاذ بن جبل, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم, يأخذ الشاذة والقاصية والناحية, وإياكم والشعاب, وعليكم بالجماعة والعامة)) رواه أحمد [١٨٤].
١٨٥ - وعن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)) رواه أحمد, وأبو داود. [١٨٥].
ــ
يكون معناه اشتبه وخفى حكمه, ويحتمل أن يرا اختلاف الناس فيه من تلقاء أنفسهم. أقول: الأولى أن يفسر هذا الحديث بما ورد في آخر الفصل الثالث في حديث أبي ثعلبة.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن معاذ: قوله: ((إن الشيطان ذئب الإنسان)) الذئب مستعار للإفساد والإهلاك, أي إن الشيطان مفسد للإنسان ومهلكه, كذئب أرسل إلى قطيع من الغنم. و ((يأخذ الشاذة)) صفة الذئب, لأنه بمنزلة النكرة, كما في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} ويجوز أن يكون حالا, والعامل معنى التشبيه, وهو تمثيل مثل حالة مفارقة الجماعة والسواد الأعظم وانقطاعه عنهم واعتزاله عن صحبتهم ثم تسلط الشيطان عليه وإغوائه, بحالة شاة قاصية شاذة عن قطيع الغنم, ثم افتراس الذئب إياها بسبب انقطاعها. ووصف الشاة بصفات ثلاث, ف ((الشاذة)) هي النافرة التي لم تؤنس, و ((القاصية)) التي قصدت البعد لا عن التنفر, و ((الناحية)) هي التي غفلت عنها, وبقيت في جانب منها, فإن الناحية هي التي صارت في ناحية من الأرض. و ((الشعاب)) من الشعب, وهو من الوادي ما اجتمع منه طرف وتفرق طرف, ولذلك قيل: شعبت الشيء إذا جمعته, وشعبته إذا فرقته. ولما فرغ من التمثيل أكده بقوله: ((إياكم والشعاب)) وعقبه بقوله: ((ربقة الإسلام)) الربقة عروة في حبل يجعل في عنق ابهيمة أو يدها تمسكها, فاستعارها لانقياد الرجل واستسلامه لأحكام الشرع, وخلعها لارتداده وخروجه عن طاعة الله ومتابعة رسوله.