فإذا فرع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي
ــ
على فيفصم عني وقد وعيت ما قال)). والصفوان الحجر الأملس.
وقوله:((فإذا فزع عن قلوبهم)) أي كشف عنهم الفزع وأزيل، وزوال الفزع هنا بعد سماعهم القول، كالفصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سماع الوحي.
قوله:((للذي قال)) أي قالوا الحق لأجل ما قاله الله تعالى، أي عبروا عن قول الله تعالى وما قضاه وقدره بلفظ ((الحق)). والمجيب الملائكة المقربون كجبريل وميكائيل وغيرهما على ما روينا عن ابن مسعود قال:((إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاء جبريل فزع عن قلوبهم فيقولون: يا جبريل! ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق الحق)) أخرجه أبو داود.
وقوله:((الحق)) منصوب على أنه صفة مصدر محذوف، تقديره: قال جبريل: قال الله تعالى: القول الحق. ويحتمل الرفع فالتقدير قال جبريل: قوله الحق. هكذا قدر صاحب الكشاف في سورة سبأ في قوله تعالى:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ} بالرفع. والقول يجوز أن يراد به كلمة ((كن)) وأن يراد بالحق ما يقابل الباطل. فالمراد بـ ((كن)) مما هو من سببها من الحوادث اليومية، بأن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين، {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}، {يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ}، ويشفي سقيما ويسقم سليما، ويبتلي معافي ويعافي مبتلى، ويعز ذليلا ويذل عزيزا، ويفقر غنيا ويغني فقيرا. فسبحان الذي {إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}. وإنما كانت الكلمة حقا لا باطلا، لقوله تعالى:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} أي عبثا بل هو صواب وحكمة. ويجوز أن يراد به القول المسطور في اللوح المحفوظ.
والحق بمعنى الثابت أي قضى وقدر وحكم في الكائنات ما كان مقدرا في الأزل ثابتا في اللوح المحفوظ. ويؤيد الأول تأنيث الكناية في قوله:((فسمعها [مسترقو] السمع)) والتصريح في ((فيستمع الكلمة))، وإنما عدلوا عن صريح القولن وهو التفصيل والتصريح بالمقضي من الشؤون والأمور إلى هذا القول المجمل الموجز؛ لأن قصدهم في ذلك إزالة الفزع عن قلوبهم بالكلية، يعني لا تفزعوا وهينوا على قلوبكم؛ فإن هذا القول هو ما عهدتموه كل يوم من قضاء الشؤون لا ما تظنونه من قيام الساعة.
قال الزجاج في تفسير الآية: إن جبريل لما نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، ففزعت لذلك، فلما انكشف عنها الفزع، قالوا: ماذا قال ربكم؟.