للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

متحد فدل على التناهي في المبالغة، كما يقال: من أدرك الضمان فقد أدرك المرعى، أي، أدرك مرعا متناهيا في بابه، أي من رآني فقد رأي حقيقتي على كمالها، لا شبهة ولا ارتياب فيما رأي، ويدل عليه قوله: ((فقد رأي الحق)) والحق هنا مصدر مؤكد، أي من رآني فقد رآني رؤية الحق. وفي البخاري ومسلم والحميدي وجامع الأصول: ((فقد رأي الحق)) على أن الحق هو مفعول به.

قوله: ((فإن الشيطان)) كالتتميم للمعنى والتعليل للحكم. ((مح)): اختلفوا فيه فقال ابن الباقلاني: معناه: رؤياه صحيحة ليست بأضغاث أحلام، ولا من تشبيهات الشيطان. قال: وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة، كمن يراه أبيض اللحية. وقد يراه شخصان في زمان واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، ويراه كل منهما في مكانه. حكاه المازري عنه ثم قال: وقال آخرون: بل الحديث على ظاهره، والمراد أن من يراه فقد أدركه، وليس لمانع أن يمنعه؛ فإن العقل لا يحيله حتى يضطر إلى التأويل. وأما قوله: ((فإنه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين معا)). فإنه تغيير في صفاته لا في ذاته، فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية، وصفاته متخيلة غير مرئية. فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة، ولا كون المرئي مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها، وإنما يشترط كونه موجودا، ولو رآه بأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من صفاته المتخيلة لا المرئية.

قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون المراد بقوله: ((فقد رآني)) إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته، فإن رأي على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة، وهو ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري انتهى كلام الشيخ محيي الدين. قال الشيخ أبو حامد الغزالي: ليس معناه أنه رأي جسمي وبدني بل رأي مثالا صار ذلك المثال إليه يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه ... ، بل البدل الجسماني في اليقظة أيضا ليس إلا آلة النفس، والآلة تارة تكون حقيقية وتارة خيالية. والنفس غير المثالات المتخيلة إذ لا يتخيل إلا ذو لون أو ذو قدر بعيد من المتخيل أو قريب.

والحق أن ما يراه مثال حقيقة روحه المقدسة التي هي محل النبوة، فما رآه من الشكل ليس هو روح النبي صلى الله عليه وسلم ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق. ومعنى ((فقد رآني)): ما رآه صار واسطة بيني وبينه في تعريف الحق إياه. وكذلك ذات الله تعالى منزهة عن الشكل والصورة، لكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره من الصور الجميلة التي تصلح أن تكون مثالا للجمال الحقيقي المعنوي الذي لا صورة فيه ولا لون، ويكون ذلك المثال صادقا وحقا وواسطة في التعريف، فيقول الرائي: رأيت الله تعالى في المنام لا بمعنى: إني رأيت ذاته كما تقول.

قال الشيخ أبو القاسم القشيري: من المعلوم أنه قد رآه صلوات الله عليه بعض الناس كأنه على صورة شيخ، ويراه بعضهم على صورة أمرد، وآخر كأنه مريض، وآخر كأنه ميت، وغير

<<  <  ج: ص:  >  >>