للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٤٦١٠ - وعن أبي قتادة: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رآني فقد رأي الحق)) متفق عليه.

ــ

ذلك من الوجوه. ثم يكون معنى الخبر أن تلك الرؤيا جميعا تحتمل وجوها من التأويل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان موصوفاً بتلك الصفات جميعاً، فكذلك لو رأي أحد في المنام ربه تعالى على وصف يتعالى عنه، وهو يعلم أنه سبحانه منزه عن ذلك، لا يعتقد في صفته تعالى ذلك، لا تضره تلك الرؤيا، بل يكون لها وجه من التأويل. قال الواسطى: من رأي ربه تعالى في المنام على صورة شيخ عاد تأويله إلى الرائي، وهو إشارة إلى وقاره وقدر محله في حكمه. وكذلك إذا رآه كأنه شخص ساكن يتولى أمره ويكفي شأنه.

أقول: قول المازري وأبي حامد من باب واحد، ويمكن أن يرجح قول الباقلاني بأن يقال: إن أثبت الروايات هي ((فقد رأي الحق)) فلابد من تقدير ما يستقيم أن يقع الجزاء مسبباً من الشرط، ويترتب على المعلل العلة، فالمعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت، فليستبشر وليعلم أنه قد رأي الرؤيا الحق التي هي من الله، وهي من المبشرات لا الباطل الذي هو [العلم] المنسوب إلى الباطل الذي هو الشطان؛ فإن الشيطان لم يتمثل بي، كيف لا تكون مبشرات؟ وهو البشير النذير، السراج المنير وهو الرحمة المهداة إلى كافة الخلق: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.

وعلى هذا أيضاً الرواية الأخرى: ((لإقد رآني الحق)) أي رؤية الحق لا الباطل، وكذا الرواية الأخرى: ((فقد رآني))؛ فإن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الكمال والغاية، أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها، كقوله: ((من كانت هجرته إلى الله فهجرته إلى الله)) ولا كمال أكمل من الحق، كما لا نقص أنقص من الباطل، والباطل هو الكذب. ويؤيده حديث أبي هريرة: ((ريا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) وما كان من النبوة فإنه لا يكذب، فحينئذ لا يفتقر إلى تلك التكلفات والتمحلات، ولا يكشف الأستار عن مثل تلك الأسرار إلا من تدرب في علم المعاني، واعتلى شامخ البيان، وعرف كيف يؤلف الكلام ويصنف ويرتب النظام ويرصف.

قوله: ((فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)) ((مح)): قال القاضي: قال بعضهم: خص الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن رؤية الناس إياه صحيحة، وكلها صدق، ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته؛ لئلا يكذب على لسانه في النوم، كما أجرى الله سبحانه وتعالى العادة للأنبياء بالمعجزة، فكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل، ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا التصوير، فحماها الله سبحان وتعالى من الشيطان ونزعه ووسوسته وإغوائه وكيده، كذا حمى رؤياهم عنه بالنوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>