رجلين أتياني، فأخذا بيدي، فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد، يدخله في شدقه، فيشقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله. قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة يشدخ بها رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما كان، فعاد إليه فضربه، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى أتينا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفه واسع، تتوقد تحته نار، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا منها، وإذا خمدت
ــ
قوله:((بفهر)) ((نه)): الفهر حجر ملء الكف. وقيل: هو الحجر مطلقاً. والشدخ كسر الشيء الأجوف، يقال: شدخت رأسه فانشدخ. والتدهده التدحرج، يقال: دهدهت الحجر ودهدهته أي دحرجه. و ((الربابة)) بالفتح السحابة التي ركب بعضها بعضا. قوله:((تحته نار)) بالرفع، قال المالكي: روى بالنصب على التمييز، أسند ((يتوقد)) إلى ضمير عائد على الثقب كما يقال: مررت بامرأة تتضوع من أردانها طيباً؛ أي يتضوع طيبها من أردانها.
قوله:((فإذا ارتقت)) كذا في الحميدى وجامع الأصول. وفي بعض نسخ المصابيح ((اقتربت))
وفي بعضها ((أوقدت)) والأول هو الصحيح رواية ودراية. وقوله:((ارتفعوا)) جواب ((إذا)) والضمير ((للناس)) بدلالة سياق الكلام. وفي الحميدي والجامع:((كاد أن يخرجوا)) أي كاد خروجهم، والخبر محذوف أي يكاد خروجهم يتحقق. وفي نسخ المصابيح:((يكادوا يخرجوا))، وحقه إثبات النون اللهم إلا أن يتمحل ويقدر ((أن يخرجوا)) تشبيهاً ((لكاد)) بـ ((عسى)) ثم حذف ((أن)) وترك على حاله.
قوله:((فجعل كلما جاء ليخرج)) قال المالكي: تضمن هذا الكلام وقوع خبر ((جعل)) جملة
فعليه مصدرة بـ ((كلما)) وحقه أن يكون فعلا مضارعاً كغيرها من أفعال المقاربة. فما جاء هكذا فهو موافق للاستعمال المطرد، وما جاء بخلافه فهو منبه على أصل متروك؛ وذلك أن أفعال المقاربة مثل ((كاد)) في الدخول على مبتدأ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها مثل خبر ((كان)) في وقوعه مفرداً أو جملة اسمية وفعلية وظرفاً. فترك الأصل والتزم كون الخبر فعلا مضارعاً، ثم نبه شذوذاً على الأصل المتروك بوقوعه مفرداً في ((عسيت صائماً وما كدت آيباً))، وبوقوعه جملة اسمية في قوله: