رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا، حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم على وسط النهر، وعلى شط النهر بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمي الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمي في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق فانطلقنا، حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة، بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني داراً وسط الشجرة، لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشبابا ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة،
ــ
وبوقوعه جملة من فعل ماض مقدم عليه كلما في جعل كلما جاء ليخرج)).
قوله:((أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب)) قال المالكي: في هذا شاهد على أن الحكم قد يستحق بجزء العلة، وذلك أن المبتدأ لا يجوز دخول الفاء في خبرة إلا إذا كان شبيهاً ((بمن)) الشرطية في العموم لاستقبال ما يتم به المعنى، نحو: الذي يأتيني فمكرم، فلو كان المقصود (بالذي) معينا زالت مشابهته ((بمن))، وامتنع دخول الفاء على الخبر، كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدآت المقصود بها التعيين، نحو: زيد مكرم فمكرم، لم يجز/ فكذا لا يجوز ((الذي يأتيني)) إذا قصدت به معيناً، لكن ((الذي يأتيني)) عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم، فجاز دخول الفاء حملا للتشبيه على الشبيه. ونظيره قوله تعالى:{وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله}؛ فإن مدلول ((ما)) معين ومدلول ((أصابكم)) ماض إلا أنه روعى فيه التشبيه اللفظي، فشبه هذه الآية بقوله:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} فأجرى ما في مصاحبه الفاء مجرى [واحداً].
أقول: هذا كلام تين، لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة، فلابد من ذكر كلمة التفصيل كما في صحيح البخاري وكتاب الحميدي والمشكاة أو تقديرها، فالفاء جواب ((أما))، والفاء في قوله:((فأولاد الناس)) جاز دخوله على الخبر؛ لأن الجملة معطوفة على مدخول ((أما)) في قوله: ((أما الرجل الذي رأيته))، وحذف الفاء في بعض المعطوفات نظراً إلى أن ((أما)) لما حذفت حذف مقتضاها، وكلاهما جائزان.
وقوله:((فنام عنه)) أي أعرض عنه. ((وعن)) ها هنا كما في قوله تعالى: {الذين هم عن