٢٠١ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الناس معادن كمعان الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)). رواه مسلم. [٢٠١]
ــ
رضي الله عنهم- أنه صلى الله عليه وسلم لم يفضل في قسمة ما أوحي إليه أحداً من أمته على الآخر، بل سوى في البلاغ، وعدل في القسمة، وإنما التفاوت في الفهم، وهو واقع من طريق العطاء، ولقد كان بعض الصحابة يسمع الحديث فلا يفهم منه إلا الظاهر الجلي، ويسمعه آخر منهم أو من القرن الذي يليهم أو ممن أتى بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأقول: الواو في قوله: ((وإنما أنا قاسم)) للحال من فاعل ((يفقهه))، أو من مفعوله، وإذا كان الثاني فالمعنى أن الله تعالى يعطي كلا ممن أراد أن يفقهه استعداداً لدرك المعاني على ما قدره، ثم يلهمني بإلقاء ما هو لائق باستعداد كل واحد، وعليه كلام القاضي. وإذا كان الأول فالمعنى أني ألقي ما يسنح لي وأسوي فيه، ولا أرجح بعضهم على بعض، فالله تعالى يوافق كلا منهم على ما أراد وشاء من العطاء، وعليه كلام التوربشتي.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الناس معادن)) المعدن المستقر والمستوطن، من: عدنت البلد إذا توطنته، ومنه المعدن المستقر الجواهر والفلزات. و ((معادن)) خبر مبتدأ ولا يستقيم حمله عليه إلا بأحد وجهين: إما أن يكون محمولا عليه بالتشبيه، كقولك: زيد أسد، فيكون ((كمعادن الذهب)) بدلاً منه، وإما أن يكون المعادن مجازاً من التفاوت، فالمعنى الناس متفاوتون تفاوتاً مثل تفاوت معادن الذهب والفضة فالمراد بالتفاوت تفاوت النسب في الشرف والصنعة، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:((فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم)) أي أصولها التي ينسبون إليها، ويتفاخرون بها. وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعدادات المتفاوتة، فمنها قابلة لفيض الله تعالى على مراتب المعادن، ومنها غير قابلة لها.
وقوله:((خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) جملة مبينة بعد التفاوت الحاصل بعد فيض الله تعالى عليها من العلم والحكمة. قال الله تعالى:((من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)) شبههم بالمعادن في كونها أوعية للجواهر النفيسة والفلزات المنتفعة بها، المعنى بهما في الإنسان كونه أوعية العلوم والحكم، فالتفاوت في الجاهلية بحسب الأنساب، وشرف الآباء، وكرم الأصل، وفي الإسلام بحسب العلم والحكم، فالشرف الأول موروث، والثاني مكتسب.
فإن قلت: ما فائدة التقييد بقوله: ((إذا فقهوا))؛ لأن كل من أسلم، وكان شريفاً في الجاهلية فهو خير من الذي لم يكن له شرف فيها، سواء فقه أو لم يفقه؟ قلت: ليس كذلك؛ فإن