٢٠٢ - وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين:
ــ
الإيمان يرفع التفاوت المعتبرة في الجاهلية، فإذا تحلى الرجل بالعلم والحكمة استجلب النسب الأصلي فيجتمع شرف النسب مع شرف الحسب، انظر إلى المنقبة السنية كيف رد تيمنها وبركتها ما رفعه الإسلام من الشرف الموورث؟ وفهم من ذلك أن الوضيع المسلم المتحلي بالعلم أرفع منزلة من الشريف المسلم العاطل. ونعم ما قال الأحنف:
كل عز لم ((يوطد) بعلم فإلى ذلك ما يصير
قال:
ولا الشرف الموروث لا در دره بمحتسب إلا بآخر مكتسب
وقال لآخر:
إن السرى إذا سرى فبنفسه وابن السرى إذا سرى أسراهما
روي أن فزارياً شكى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من لطمة لطمها جبلة بن الأيهم، فأمر بالقصاص، فقال جبلة: أتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال عمر: شملك وإياه الإسلام، فما تفضله إلا بالعاقبة.
الحديث الخامس عن ابن مسعود: قوله: ((لا حسد)) أي لا رخصة فيه، ((حس)): المراد من الحسد ههنا الغبطة، وهي تمني الرجل مثل ما لأخيه من غير أن يتمنى زواله عنه، والمذموم ما يتمنى الزوال، وهو المسمى بالحسد، ومعنى الحديث: الترغيب في التصدق بالمال، وتعليم العلم، وقيل: إن فيه تخصيصاً لإباحة نوع من الحسد، وإن كانت جملته محظورة. وإنما رخص فيهما لما يتضمن مصلحة في الدين. قال أبو تمام:
وما حاسد في المكرمات بحاسد
وكما رخص في الكذب لتضمن فائدة هي فوق آفة الكذب. وقيل: معناه لا يحسن الحسد إن حسن في موضع إلا في هذين الموضعين.
أقول: أثبت الحسد في الحديث لإرادة المبالغة في تحصيل النعمتين الخطيرتين، يعني ولو حصلتا بهذا الطريق المذموم فينبغي أن لا يتحرى ويجتهد في تحصيلها، فكيف بالطريق المحمود؟ بل أقول: هو الطريق المحمود لذاته، والمأمور في قوله تعالى:{فاستبقوا الخيرات} والمرغب فيه بقوله: {والسابقون السابقون أولئك المقربون} فإن السبق هو روم نيل ما لصاحبه واختصاصك به. قالت الخنساء.