للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق.، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)). متفق عليه.

٢٠٣ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع

ــ

وما بلغت كف امرئ متناولاً من المجد إلا والذي نال أطول

وهو الحسد المباح الذي سبق ذكره. وكيف لا؟ وكل واحدة من هاتيك الخصلتين بلغت غاية لا أمد فوقها، ولو اجتمعنا في امرئ بلغ من العلياء كل مكان.

وقوله: ((فسلطه على هلكته)) فيه مبالغتان: إحداهما التسليط، فإن يدل على الغلبة وقهر النفس المجبولة على الشح البالغ. ثانيتهما قوله: ((على هلكته)) فإنه يدل على أنه لا يبقى من المال باقياً، فلما أوهم القرينتان للإسراف والتبذير المقول فيهما لا خير في السرف- كمله بقوله: ((في الحق) كما قيل: لا سرف في الخير. وكذا القرينة الأخرى اشتملت على مبالغات: إحداها ((الحكمة)) فإنها تدل على علم دقيق مع إيقان في العمل. وثانيتها ((يقضي)) أي يقضي بين الناس، وهي مرتبته صلى الله عليه وسلم. وثالثتها ((يعلمها))، وهي أيضاً من مرتبة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {ويعلمهم الكتاب والحكمة}. وروي: ((لا حسد إلا في اثنين))، فيكون ((رجل)) بدلاً منه. وروى ((في اثنتين)) أي خصلتين، فلابد من تقدير مضاف ليستقيم المعنى، فإذا روي ((اثنين)) يقدر: في شأن اثنين، وإذا روي ((اثنتين)) يقدر: خصلة رجل.

((نه)): الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها: حكيم، وهذا الحديث على ما تقرر شاهد صدق على وجوب أداء لفظ الحديث من غير إبدال، إذ لو وضع مكان ((لا حسد)) لا غبطة، ومكان ((سلط)) ((ملك))، وغيرهما، وأبدلت الحكمة بالعلم، وهلم جرا لفاتت تلك الفوائد المقصودة. والله أعلم.

الحديث السادس عن أبي هريرة: قوله: ((إلا من .... صدقة)) وفي بعض نسخ المصابيح أسقطوا لفظة ((إلا)) وهي مثبتة في صحيح مسلم، وكتاب الحميدي، وجامع الأصول، والمشارق وهو إلى آخره بدل من قوله: ((إلا من ثلاثة)) فعلى التكرير فيه مزيد تقرير، واعتناء شأنها، والاستثناء متصل، تقديره: ينقطع عنه ثواب أعماله من كل شيء من الصلاة والزكاة والحج، ولا ينقطع ثواب أعماله من هذه الثلاثة. والمعنى إذا مات الإنسان لا يكتب له بعده أجر أعماله؛ لأنه جزاء العمل، وهو ينقطع بموته، إلا فعلا دائم الخير، مستمر النفع، مثل وقف أرض، أو تصنيف كتاب، أو تعليم مسألة يعمل بها، أو ولد صالح، وكل منها يلحق أجره إليه. وإنما جعل ولد

<<  <  ج: ص:  >  >>