للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)). رواه مسلم. [٢٠٣]

ــ

جعل ولد صالح من جنس العمل لأنه هو السبب في وجوده، وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدى، كما جعل نفس العمل في قوله تعالى: {إنه عمل غير صالح}. وأما فائدة القيد بـ ((الولد يدعو له)) مع أن الغير من المسلمين لو دعا له لنفعه أيضاً- فزيادة للبيان، وتحريض للولد على الدعاء، وأنه كالواجب عليه.

((قض)): قوله صلى الله عليه وسلم: ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)) يكاد يخل بهذا الحديث، لاسيما قوله: ((كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة)) فإنه ينافي [قطرية]. قلت: الحديث الأول داخل في باب علم ينتفع به، فإن وضع السنن وتأسيسها من باب التعليم. وأما قوله: ((كل ميت يختم على عمله)) فمعناه أن الرجل إذا مات لا يزاد في ثواب ما علم، ولا ينقص منه شيء إلا الغازي؛ فإن ثواب مرابطته ينمو ويتضاعف، وليس فيه ما يدل على أن عمله يزاد بضم غيره أو يزاد. يريد أن الحصر يدل على أن الثواب بانضمام الغير يجري له، كأنه قيل: ينقطع عمله المنضم إلى عمل الغير إلا عن ثلاث، والمرابطة ليس بداخلة فيها، فلا يخل بالحصر. وهو ينظر إلى ما يروي التوربشتي عن الطحاوي حيث قال: والذي ذكر عن المرابط، فإنه عمله الذي قدمه في حياته، فينمو له إلى يوم القيامة.

وأقول: لعلها داخلة في الصدقة الجارية؛ لأن القصد في المرابطة نصرة المسلمين، ودفع أعداء الدين، والمجاهدة مع الكفار، ودعوتهم إلى الإسلام لينتفعوا في الدارين. ونية المؤمنين خير من عمله، فلا يبعد أن يدخل تحت جنس الصدقة الجارية، كبناء الرباط، وحفر البئر. وفيه تحريض على الجهاد وحيث عليه، ومما يواخيه في الحث حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة)) رواه البخاري. ((مح)): فيه دليل صحة أصل الوقف، وعظم ثوابه، وبيان فضيلة العلم، والحث على استكثار منه والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع. وفيه أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة، وهما مجمع عليهما، وكذلك قضاء الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>