للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٠٤ - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون

ــ

الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((من نفس)) يقال: نفست عنه كربة تنفيساً إذا رفعته [وفرجته] عنها، مأخوذ من قولهم: أنت في نفس أي سعة، كأن من كان في كربة وضيق سد عنه مداخل الأنفاس، فإذا فرج عنه فتحت [المداخل]. و ((المعسر)) من كربه الدين، وتعسر عليه قضاؤه. ((مظ)): ((ومن ستر)) يجوز أن يراد به الظاهر، وأن يراد ستر من ارتكب ذنباً فلا يفضحه. وإنما عدل صلى الله عليه وسلم من المساجد، إلى هذه الصيغة أعني ((من بيوت الله)) ليشمل جميع ما يبني لله تقرباً إليه من المساجد والمدارس، والربط. و ((يتدارسون)) شامل لجميع ما يناط بالقرآن من التعليم والتعلم، والتفسير، والاستكشاف عن دقائق معانيه. و ((السكينة)) هي ما يحصل به السكون والوقار، وصفاء القلب بنور القرآن، وذهاب الظلمة النفسانية، ونزول ضياء الرحمانية. وعن ابن مسعود: ((السكينة مغنم، وتركها مغرم)) و ((غشيتهم)) غطتهم وعلتهم الرحمة، و ((حفت بهم)) أي أحدقتهم، وطافت بهم.

قوله: ((فيمن عنده)) قيل المراد بهم الملأ الأعلى، والطبقة الأولى من الملائكة. وذكره سبحانه فيما بينهم للمباهاة بهم. و ((البطء)) نقيض السرعة. ((نه)): أي من أخره عمله السيئ أو تفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخر شرف النسب.

وأقول: قوله: ((كربة)) أي غماً وشدة، نكرها تقليلاً، وميز بها بعد الإبهام وبينها بقوله: ((من الدنيا)) للإيذان بتعظيم شأن [التنفيس]، يعني أقله المختص بالدنيا يفيد هذه الفائدة، فكيف بالكثير المختص بالعقبى؟ فلذلك لم يقيد هذه القرينة بما قيده في القرينتين الأخيرتين من ذكر الدنيا والآخرة معاً، ولأنهما تخصيص بعد التعميم اهتماماً بشأنهما. ((والله في عون العبد)) تذييل للسابق، لاسيما على دفع المضرة عن أخيه المسلم، وعلى جلب النفع له، ولذلك أخرجه من سياق الشرطية، وبني الخبر على المبتدأ؛ ليقوى به الحكم. وخص العبد بالذكر تشريفاً له بنسبة العبدية إليه، كما شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} وكرره وقال: ((في عون العبد)) ولم يقل: والله يعينه في كذا، كما قال: {ولكم في القصاص حياة} أي إن الله يوقع العون في العبد ويجعله مكاناً له، مبالغة في الإعانة.

ولما فرغ من الحث على الشفقة لخلق الله تعالى أتبعه بما ينبئ عن التعظيم لأمر الله، ولأن العلم وسيلة إلى العمل ومقدمة له، ومن ثم [ختمه] بقوله: ((ومن بطأ به عمله)).

<<  <  ج: ص:  >  >>