٤٧٩٧ - وعن أبي ثعلبة الخشني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني، مساويكم أخلاقا، الثرثارون، المتشدقون، المتفيهقون. رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [٤٧٩٧]
ــ
لا لخلل في اللسان. والبيان ما يكون سببه الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان، والتحرز عن الزور والبهتان. والبذاء: فحش الكلام.
أقول: ويمكن أن يقال: إنه إنما قوبل العي في الكلام مطلقا بالبيان الذي هو التعمق في النطق والتفاصح، وإظهار التقدم فيه على الناس مبالغة لذم البيان، وأن هذه النقيصة ليست بمضرة للإيمان مضرة ذلك البيان.
الحديث الثالث عن أبي ثعلبة: قوله: ((إن أحبكم إلي)) ((قض)):أفعل التفضيل إذا أضيف على معنى أن المراد به زائد على المضاف إليهم في الخصلة التي هو وهم متشاركون فيها، جاز فيه الإفراد والتذكير في الحالات كلها؛ وتطبيقها لما هو وصف له لفظا ومعنى، وقد جمع الوجهان في الحديث، فأفرد ((أحب وأبغض)) وجمع ((أحاسن وأساوي)) في رواية من روى ((أساويكم)) بدل مساويكم، وهو جمع مسوأ كمحاسن جمع محسن، هو إما مصدر ميمي نعت به ثم جمع، أو اسم مكان بمعنى الأمر الذي فيه السوء، فأطلق على المنعوت به مجازا. و ((أخلاق)) نصب على التمييز.
قال الدار حديثي: وأراد بـ ((أبغضكم)) بغيضكم وبـ ((أحبكم)) التفضيل. ولا يكون المخاطبون بأجمعم مشتركين في البغض والمحبة، وقال الحاجبي: تقديره: بأحب المحبوبين منكم وأبغض المبغضين منكم. ويجوز إطلاق العام وإرادة الخاص للقرينة.
أقول إذا جعل الخطاب خاصا بالمؤمنين، فكما لا يجوز ((أبغضكم)) لا يجوز ((بغيضكم)) لاشتراكهم في المحبة. والقول ما ذهب إليه ابن الحاجب؛ لأن الخطاب عام يدخل في البر والفاجر والموافق والمنافق، فإذا أريد به المنافق الحقيقي فالكلام ظاهر، وإذا أريد به غير الحقيقي كما سبق في باب علامات النفاق، فمستقيم أيضا يدل عليه الثرثارون المتشدقون المتفيهقون. وهذا القول أولى والمقام له أدعى للحديث السابق.
وقوله:((الثرثارون)) إما بدل من ((مساويكم أخلاقا))،فيلزم أن تكون هذه الأوصاف أسوأ الأخلاق؛ لأن المبدل كالتمهيد والتوطئة. وإما رفع على الذم على أنه خبر مبتدأ محذوف، فيكون أبلغ وأشنع.