٤٩١٥ - وعن المغيرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)). متفق عليه.
ــ
أقول: قوله: ((أبلها ببلاها)). فيه مبالغة كقوله تعالى:{إذا زلزلت الأرض زلزالها}. أي زلزالها الذي يستوجبه في مشيئة الله سبحانه وتعالى، وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده. فالمعنى أبلها بما عرف واشتهر عند الله وعند الناس ما هو، فلا أترك من ذلك شيئاً. شبه الرحم بأرض إذا بلت بالماء حق بلالها، أثمرت ويرى في ثمرتها أثر النضارة. وإذا تركت يبست وأجدبت، فلم تثمر إلا العداوة والقطيعة. هذا هو الوجه. والبيت ينظر إلى هذا المعنى. وعلى ذلك قول أهل اللغة: سنة جماد لا مطر فيها، وناقة جماد لا لبن لها. ولا تجعل السنة والناقة جمادا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالمطر والناقة لا تستحق باللبن.
الحديث الخامس عن المغيرة: قوله: ((عقوق الأمهات)) ((نه)): يقال: عق والده يعقه عقوقا فهو عاق إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، وأصله العق وهو الشق والقطع. ((خط)) لم يخص الأمهات بالعقوق، فإن عقوق الآباء محرم أيضاً، ولكن نبه بأحدهما على الآخر؛ فإن بر الأم مقدم على بر الأب؛ لأن لعقوق الأمهات مزية في القبح. وحق الأب مقدم في الطاعة وحسن المتابعة لرأيه والنفوذ لأمره وقبول الأدب منه.
قوله:((ووأد البنات)) أي دفنهن أحياء. قيل: قدم عقوق الأمهات، لأنهن الأصول وعقبه بوأد البنات: لأنهن الفروع. وكان ذلك تنبيهاً على أن أكبر الكبائر هو قطع النسل الذي هو موجب لخراب العالم. قوله:((ومنع وهات)) ((نه)): أي حرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه وطلب ما ليس لكم أخذه انتهى كلامه. وقيل: نهى عن منع الواجب من ماله وأقوله وأفعاله وأخلاقه من الحقوق اللازمة فيها، ونهى عن استدعاء ما لا يجب عليكم من الحقوق. وتكليفه إياهم بالقيام بما لا يجب عليهم، وكان ينصف ولا ينتصف، فهذا من أسمج الخلال.
قوله:((قيل وقال)) ((فا)): نهى عن فضول ما يتحدث به المجالسون من قولهم: قيل كذا وقال كذا، بناؤهما على كونهما فعلين محكمين متضمنين للضمير، والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خاليين من الضمير. ومنه قوله:((إنما الدنيا قال وقيل)) وإدخال التعريف عليهما كذلك في قولهم: ما يعرف القال والقيل. ((نه)): وهذا النهي إنما يصح في قول لا يصح ولا يعلم حقيقته. فأما من حكى: ما يصح ويعرف حقيقته، وأسنده إلى ثقة صادق فلا وجه