فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها. قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفتح الخاتم، فقمت عنها. اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها، ففرج لهم فرجة.
وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي. فعرضت عليه حقه، فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي. فقلت: اذهب إلى ذلك البقر وراعيها فقال: اتق الله ولا تهزأ بي. فقتل: إني لا أهزأ بك فخذ ذلك البقر وراعيها، فأخذه فانطلق بها. فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج ما بقى ففرج الله عنهم)). متفق عليه.
٤٩٣٩ - وعن معاوية بن جاهمة، أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك. فقال:((هل لك من أم؟)) قال:
ــ
وغيره. ويتوسل بصالح عمله إلى الله تعالى، فإن هؤلاء فعلوه واستجيب لهم. وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم. وفيه فضل بر الوالدين وإيثارهما على من سواهما من الأهل والوالد. وفيه فضل العفاف والانكفاف عن المحرمات، لاسيما بعد القدرة عليها. وفيه جواز الإجازة وفضل حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة. وفيه إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل الحق.
وتمسك بالحديث أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، ممن يجوز بيع الإنسان مال غيره والتصرف فيه بغير إذنه، إذا أجازه المالك بعد ذلك. وأجاب أصحابنا بأن هذا إخبار عن شرع من قبلنا، وفي كونه شرعاً لنا خلاف. فإن قلنا: إنا متعبدون به، فهو محمول على أنه استأجره في الذمة، ولم يسلم إليه بل عرضه عليه، فلم يقبضه، فلم يتعين ولم يصر ملكه. فالمستأجر قد تصرف في ملك نفسه، ثم تبرع بما اجتمع منه من البقر والغنم وغيرهما.
الحديث الثاني عن معاوية: قوله: ((عند رجلها)) كناية عن غاية الخضوع ونهاية التذلل، كما في قوله تعالى:{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}. ولعله صلى الله عليه وسلم عرف من حاله وحال أمه حيث ألزمه خدمتها ولزومها أن ذلك أولى به.